ابن سنان الخفاجي :
إمام مسجد الغضائري داخل باب أنطاكية بحلب كان في أيام سيف الدولة أبي الحسن بن حمدان.
قرأت بخط القاضي أبي المكارم محمد بن عبد الملك بن أبي جرادة الحلبي : حدثني الشيخ الامام الامين أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة رضي الله عنه ، أن بعض بني سنان الحلبيين كانت له حجر مقرب من الخيل العتاق (١) في زمان سيف الدولة أبي الحسن علي بن حمدان ، وكان يسكن بها بدرب العدول ، وجماعة أهل حلب يومئذ يرتبطون الخيل العربية ويعدون العدد للقاء الروم ، ومجاورة الثغور ، وشن الغارات عليهم في أكثر الاوقات ، وكان سحر كل يوم ينزل من بيته إلى مسجد المعروف بالغضائري داخل باب أنطاكية ، يصلي بالناس فيه ، ويقال انّه أول مسجد بني بها ، لان أبا عبيدة بن الجراح لما فتحها دخل من الباب ، واختط ذلك المكان ، وأمر أن يبنى مسجدا فبني ، وهو الآن أعمر مما تقدم فصلى بهم الفجر في بعض الايام ، فلما سلم ودعا ، أقبل على الجماعة ، وهو جالس في المحراب ، فقال لهم : قد رأيت في هذه الليلة مناما سرني ، وأسأل الله أن يحققه لي يوم القيامة ، ثم قصه عليهم فقال : رأيت القيامة (٢٢٩ ـ و) قد قامت ، وقد جمع الخلق للحساب ، ونصب الميزان ومناديا ينادي : يا فلان بن فلان فيحضر ويحاسب ، وتوضع أعماله في كفتيه ، والكاتب يحصيها ، فمن ثقلت حسناته أمر به الى الجنة ، ومن ثقلت سيئاته أمر به الى النار ، وقد رأيت في ذلك الجمع هول المطّلع ، ثم نادى المنادي باسمي ، فأحضرت ونشرت صحيفتي ، ووزنت حسناتي وسيئاتي ، فرجحت سيئاتي ، فأمر بي الى النار ، فسحبت وبي من الهلع ما لم يستطع ، وادا المنادي يصيح : ردوه ، فرددت وقيل للوزان ضع هذا في كفة الميزان ، فحط فيها مهرة غراء غشواء (٢) ، لم تر العين أحسن من شياتها ، فرجحت حسناتي ، فأمر بي الى الجنة فنالني من الفرح والاستبشار ما أيقظني ، فقمت وتوضأت ، وأتيت الى الصلاة فعجب الحاضرون من هذا المنام ، ولم يلبث أن جاء الغلام فقال له : يا سيدي ان
__________________
(١) الاصيلة العالية المكانة.
(٢) الغشواء : التي تغشى وجهها بياض. القاموس.