خبرها فجاء إلى أبي القاسم الأفطسي الشاعر ـ يعني ـ زوج فاطمة المذكورة ، وقال له : إنّا لم نعلم بفتح حلب ، إلّا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال لي : يا أهل خراسان ما تنفرون؟ فقلت : إلى أين يا رسول الله؟ فقال : إلى حلب فإن العدو قد فتحها وأسر لي منها بنتا ، فقلت : يا رسول الله فتدع بنتك مع الروم؟ فقال : لا ما تركتها ، فتنبهت ، وقد جئت وأنا أسأل عن الخبر ، وذكر تمام الحكاية ، ذكرناها في ترجمة فاطمة.
أبو علي الضرير المقرئ :
البجائي من بجاية بلد بالمغرب رجل مقرئ ، عارف بالقراءات تصدر بجامع حلب لإقراء الناس ، وإفادتهم ، وأدركته وكان يقرأ على شيخنا أبي الحسن علي بن (١٤٢ ـ و) قاسم بن الزقاق الاشبيلي ، حين ورد حلب ، وكان أبو علي هذا رجلا صالحا ، حسن الأداء ، وانتفع به جماعة من الطلبة ، وقرأ بحلب في ليلة من الليالي ثلاث ختمات وسورة البقرة من الختمة الرابعة في ركعة واحدة ، وهو قائم وأكمل من سورة آل عمران الى آخر الربع الاول وهو جالس ، وصلى الصبح في أول الوقت ، وحضر ذلك جماعة من القراء ، وكتبوا خطوطهم بذلك ، وعرفت ذلك في وقته بحلب.
وكان سبب ذلك أن بعض القراء الشيعة استصغر فعل عثمان رضي الله عنه أنه ختم القرآن في ركعتين الى الصباح ، وقال : أنا أفعل أكثر من فعله ، وختم القرآن في ركعة واحدة قبل الصبح ، أو أنه زاد على الختمة بما لا أتحققه الآن ، فحمله ذلك على أن فعل ذلك اظهارا لزيادة قدرته على الاسراع في القراءة ، وأن الفضيلة في فعل عثمان ترتيله القرآن وتدبره.
وبلغني عن أبي علي المقرئ هذا أنه قرأ على محي الدين محمد بن علي بن محمد بن العربي الحاتمي ، في ليلة من ليالي الصيف بحلب ختمة جمع فيها للقراء الثمانية ، أعني السبعة ويعقوب (١) ، وتوفي أبو علي المقرئ هذا بحلب ، بعد العشر والستمائة بسنين.
__________________
(١) لعله يعقوب بن اسحاق الحضرمي قارىء أهل البصرة في عصره ، وقد توفي سنة خمس ومائتين. انظر معرفة القراء الكبار للذهبي : ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨.