ذانك الرجلان اللذان اقتحما الأخطار ، وبذلا أنفسهما في سبيل رفع نير الذل والصغار ، وجاهدا في حق جهاده إعلاء لكلمة الدين ، ورفعا لمنار الإسلام والمسلمين ، فكان الحلبيون يعدون قدومهما عليهم نعمة عميمة ، ومنة من الله عظيمة ، فلما حقق الله آمالهم بتشريفهما ، ومتع أنظارهم بنور جمالهما هاجت في صدورهم عوامل الفرح والمسرة إلى درجة لم يسبق لها نظير في التاريخ ؛ بحيث أنساهم فرط جذلهم وابتهاجهم بتشريفهما جميع ما هم عليه من الشدة ؛ فأصبح كل واحد من الحلبيين المخلصين يود أن يظهر عواطف محبته إلى ذينك الرجلين العظيمين ، ولو بتقديم شطر عمره إليهما ، لو كان يجد إلى ذلك سبيل.
والحق يقال إننا لم نر ولم نسمع قط بأن سكان مدينة حلب على اختلاف عناصرهم وتباين أغراضهم قد اتفقت كلمتهم ، وتضافرت قلوبهم على محبة إنسان وإعظامه واحترامه ، كاتفاقهم في ذلك على محبة هذين الذاتين ، ومدحهما وإعظامهما ، والفرح بقدومهما.
ومن غرائب الصدف أن الغيث كان قد أمسك عن حلب مدة طويلة حتى بدأت أسعار الأقوات بالصعود ، وكاد اليأس والقنوط يستولي على النفوس ، فلما كان يوم الأربعاء ـ وهو اليوم الذي شرف فيه حضرة المشار إليهما ـ أصبح الجو متلبدا بالغيوم يسح طلا مرة ، ووابلا أخرى ، إلى أن كان مساء ذلك اليوم انهمرت السحب بالأمطار الغزيرة التي لم يسبق لها نظير في هذه السنة ، فنال الناس بذلك اليوم الأغر مسرتين عظيمتين ؛ مسرة من تهاطل المطر ، ومسرة من قدوم ذينك المحبوبين العظيمين ، واعتقدوا بأن الله سبحانه وتعالى إنما أنعم عليهم بهذا الغيث المدرار إيذانا ببركة هذين المخلصين ، وتنويها بيمن نقيبتهما ، وصار كثير من الناس يتمثلون بقول الشاعر :