وبعد ذلك ، خطب الأستاذ الشيخ أسعد الشقيري ـ رئيس مجلس تدقيق المؤلفات الشرعية ـ خطابا بالتركية ، أعجب فيه وأغرب ؛ فقال : إنه أتى حلب لاستقبال الناظر العظيم باسم علماء سورية وفلسطين وأعيان المسلمين وأشرافهم ، وأن الأهالي عهدوا إليه ـ في كل ولاية ولواء وقضاء ـ أن يتنازل القادم الكريم لقبول دعوة علماء المسلمين وأكابرهم وزيارة بلدتهم ، وأن لمدينة حلب في تاريخ الإسلام شئونا وأطوارا ، فمن مفاخرها القديمة أن دخلها صلاح الدين بن أيوب المجاهد العادل الكبير ، واستقرّ ملكه فيها.
ومن مفاخرها الجديدة في عصرنا هذا زيارة بطل الإسلام ، قرة عيون الموحدين قائد جيوش المسلمين أنور باشا لها ، وأن هذا اليوم سيكتب في تاريخها المجيد ، ويعد في سجل أيامها المسعودة ، وأن العلماء كانوا يغبطون رجال العلم الذين تعلقوا في العصر الصلاحي بخدمة السلطان صلاح الدين يوسف ؛ حتى سهل الله لهم التشرف بزيارة أنور باشا في دار الخلافة ، وتشريفه إلى هذه البلاد في الآونة الأخيرة ، فنالوا حظهم وبلغوا أمانيهم ، وستكتب خطبهم وقصائدهم في التاريخ الأنوري كاسلافهم في التاريخ الصلاحي ، وأنه كان حريصا على أن يكون ابتداء كلامه في مدينة دمشق أو بيروت أو القدس ، إلا أن أعاظم حلب دفعوه إلى إيراد الكلام ، والولايات كلها وطن عثماني واحد ، وأنه بصفة كونه من أفراد السوريين ناب مناب المسلمين في إيراد كلامه. وطلب من الله التوفيق لأمير المؤمنين ووزرائه ، والنصر والتأييد لجيوشه وأساطيله.
وبعد تناول الطعام ، ذهب القائد الكبير مع أحمد جمال باشا ناظر البحرية إلى الدائرة العسكرية ، ثم إلى جامع سيدنا زكريا ، فاستقبله فيه علماء الدين ومشايخ الطرق وأشراف المدينة ، وقدموا المباخر بين يديه ، ولم يزل في هذه الحفلة الدينية