منهم من الموت قوية تبعا لقاعدة بقاء الأنسب. وهم لا طبيب عندهم ولا جراح ولا قابلة إلا ما تعلموه من أجدادهم من الوصفات ، وثقفوه بطول الزمن في مداواة الجروح ، ويداوون أكثر الأمراض المستعصية بالكيّ أو بأدهان وحشائش لهم يعرفونها. وأمراضهم قليلة بالنسبة لخشونة عيشهم وجشوبة طعامهم وقلة تطهرهم ، وذلك لمكان الهواء النقي والشمس المطهرة من أجسامهم ولندرة ما يطعمون من الأطعمة المركبة من حامض وحلو وحار وبارد ، ولقلة الهموم التي تساورهم وما تساور في العادة إلا سكان المدن والقرى ممن يفقهون واجبات الحياة ، ويكدحون في طلب المعاش ولا يزالون مأخوذين بحب التقليد. والبدوي حاد النظر يرى الأشباح من مسافة بعيدة جدا ، وقد يرى والقمر ليلة هلاله ما لا يبصره الحضري ، ومن رآه في تمييز المرئيات عن بعد باعد ، يكاد يصدق ما ذكرته العرب عن نظر زرقاء اليمامة. وكما كانت أبصارهم حادة كانت أسنانهم وأضراسهم سليمة براقة للطف أخلاطهم وتخليطهم.
قال أديب وهبة : «إن سكنى البدوي في بيت الشعر في البوادي المحفوفة بالأخطار والمشاق ، وبعده عن الحامية وانتباذه الأسوار ، قد ولد فيه عدة مزايا يمتاز بها على الحضري، منها الشجاعة والعصبية والكرم والوفاء والأنفة والنجدة فتوغل البدو في البادية ، وتولعهم بالغزو والغارات قد جعلهم في قتال أو استعداد دائم للقتال ، فأصبحت الشجاعة فيهم طبيعية ، وتعذر قيام الفرد مهما كان شجاعا بمقابلة العدد العديد من العدو قد اضطرهم للالتجاء إلى العصبية ، وهي التضامن المطلق بين أفراد القبيلة ، حتى تطلب العشيرة بأجمعها بحق أحد أفرادها ، وأقرب أسبابها لديهم الأخوة والأبوة والعمومة ، ومنها تتألف الأسرة ، ومن الأسر تتألف الفصيلة وتتدرج بهذه الصورة إلى القبيلة. والذي عليه عشائر الشرق العربي أنها تطلب وتطالب بحقوق أفرادها إلى الجد الخامس من جدود الطالب والمطلوب ، أي لكل فرد يتصل مع أيهما بالجد الأول أو الثاني أو الثالث إلى الخامس الحق بطلب حق قريبه ، وعليه أن يخضع للحق المطلوب منه ، ولهم بذلك قوانين وقواعد موروثة. ثم إن ابتعاد البدو عن المدن وتفردهم في الأرض المقفرة يضطرهم إلى إكرام