فيه اثني عشر ألف شجرة من التوت (١) جعلها صفا مستويا محكما غاية (٢) الاحكام عمل من يظن انه لا يموت ولا يذوق طعم الحمام. ثم نزلنا بقرية عرقا (٣) في منزول كريم ، وقام شيخها بخدمتنا بحسب جهده وطاقته رغبة في ثواب الله الكريم ، وحالة نزولنا في القرية المذكورة رأيت رجلا متوجها الى المدينة فكتبت لحضرة الأفندي معه مكتوبا وصدرته بهذه الابيات التي خطرت في الحال على سبيل الارتجال وهي (٤) :
الطويل
قطعت جبالا مع صخور مصاحبا |
|
لو كف ثلوج مع بحور من القطر |
وفارقت أهلي وهو عندي معظم (٥) |
|
ولولاك لم أجسر على ذاك في عمري |
وكل الذي لاقيت من أجل قربكم |
|
مرارته عندي لأحلى من القطر |
__________________
(١) عني الامير فخر الدين المعني بزراعة اشجار التوت لتربية دودة القز لانتاج الحرير الذي ازداد الطلب عليه في اوروبا خاصة بعد ان اقدم الشاه عباس الكبير (٩٩٦ ه / ١٥٨٨ م ـ ١٠٣٨ ه / ١٦٢٩ م) في مطلع القرن السابع عشر الميلادي على اغلاق طريق الحرير الدولي المار ببلاد فارس الى الموانىء العثمانية ، وطوّر ميناء بندر عباس على الخليج لتصدير الحرير الى اوروبا ، راجع :
Halil Inalcik, The Ottoman Empire, The Classical Age, Weidenfeld and Nicolson London, ٣٧٩١, PP. ٢٤ ـ ٥٤.
ويذكر اسطفان الدويهي في اخبار سنة ١٠٣٧ ه / ١٦٢٧ م عن اهتمام الامير فخر الدين بتعمير طرابلس وبزراعة التوت ما يلي :
«في سنة الف وستماية وسبع وعشرين مسيحية تولى الامير فخر الدين محافظة ايالة طرابلوس ، فاجرى ساقية القاع وعمر القليعات في ارض الجون ونصب في مغراقها اربعة عشر الف نصبة توت ونصب بستان آخر اكبر من الاول في ارض الحيصة «تاريخ الأزمنة» ، ص ٣٢٣. انظر ايضا دراسة ، الامير موريس شهاب ، دور لبنان في تاريخ الحرير ، منشورات الجامعة اللبنانية ، بيروت ، ١٩٦٨ ، ص ٣٠ ٣٤.
(٢) من هنا يبدأ نص برنستون مرة أخرى.
(٣) عرقة : بلدة في شرقي طرابلس وعلى جبلها قلعة لها ، «وشرب اهلها من مياه تأتيهم من نهر يجري ملاصق لها عليه أرجاء ، وبها قصب السكر وبناؤها بالجص والتراب» انظر ابن شداد ، المصدر ذاته ، ص ٩٢ ـ ٩٥.
وفي القرن السادس عشر شكلت عرقة ناحية في لواء طرابلس وكان سكانه ١١٤٦ خانه ط. د ٣٧٢ ، ص ٣.
(٤) وردت في نسخة برنستون (وهم).
(٥) وردت في نص نسخة برنستون (محرم) ووردت على الهامش ايضا في نفس النسخة (معظم).