في الذهاب مرج أخضر وفي خلاله مياه تجري ، وتتحدر ينتعش الفؤاد بمرآة ويتذكر أهاليه ومأواه الى ان جزنا على منبع العاصي الجاري الى مدينة حماه فوقفت مفكرا في (١) عظم صنع الله وقضيت العجب (٢) مما شاهدناه ، وهو مدرور بمقدار البركة الا انه يفور فورا ورأيت الى جانبه عينا تسمى عين الزرقاء وحولها (٥ ب بر) اشجار صفصاف ومن كل نوع من الازهار على اختلاف. فنحن بهذه النشأة سائرن وإذا بخيّال مع بغال من بعد تراءته العيون ، فقلنا : هؤلاء من طرابلوس قادمون وبهم نستبشر بتحقيق الظنون ، فلما وصلوا الينا وسلموا علينا فرأينا الخيّال رجلا من الاصحاب ، فتكدر الخاطر بمرآه لما تفوه وأبداه واشمأزت منه الطباع وصدأت. لكلامه الأسماع فانه لم يستحسن منا السفر بل نفر وصفر ، فقلنا لأرفاقنا ممن حضر لا «هامة ولا عدوة ولا صفر» (٣) وبعد ذلك فارقناه وقطعنا المسافة بالتأمل في كلامه ومعناه ، فلم نر له قصدا سيئا في هذا الكلام الا تخيّل (٨ ب اسطنبول) الكيف والسلام.
وصعدنا الى عقبة تسمى بعقبة العاصي وكأنها اكتسبت من اسمه العصيان فإنها في غاية المشقة والطغيان وهي أشق من عقبة الرمانة المشهورة بل الشهرة لتلك والمشقة لهذه المذكورة ، واستمرينا بين اتهام (٦ أبر) وانجاد الى ان شاء رب العباد ، فوصلنا الى قرية الهرمل والعيون بالدموع مما شاهدنا ورأيناه وسمعناه تهمل ، فنزلنا بعد الضيق والحصر بعد دخول وقت العصر واذا بها واد كأنه قطعة من الجنان
__________________
(١) وردت في نص اسطنبول عظيم.
(٢) مضافة الى هامش نسخة اسطنبول.
(٣) جاء عند الامام مسلم في كتاب الاسلام قال رسول صلىاللهعليهوسلم «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» م ٤ ص ١٧٤٢ ـ ١٧٤٣ وجاء عند الامام مالك في الموطأ في «كتاب العين» «لا عدوى ولا هام ولا صفر» م ٢ ص ٩٤٦ ، وجاء عند الامام البخاري في كتاب الطب «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» م ٧ ، ص ١٧٥ ، وجاء عند الامام الترمذي «لا عدوى ولا صفر» م ٣ ص ٢٠٠ من كتاب القدر. وجاء في سنن ابي داود في كتاب الطب «لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة» ، م ٤ ، ص ٢٤ ـ ٢٥.