إلى الاعتدال ، فإن كان هبوبها في أول النهار فهي مائلة إلى البرد ، لأنّها تمرّ على مواضع باردة ، بردت ببعد الشمس عنها بالليل فتكون طيبة جدا إلا أنّ زمانها قليل ، لأن شعاع الشمس يسوقها من خلفها ، فإذا أشرقت الشمس ساقتها إلى قدامها فلا زالت تمرّ قدّام الشعاع والشمس تلطّفها وتسخنها بحرّها وضيائها حتى تصير معتدلة ، وهي النسيم التي تدعى : الريح السحرية يلتذ الإنسان بها ، فإذا مسّته يطيب له النوم عليها.
قلت : وعلى ذلك فما ألطف قول الملك عضد الدولة (١) :
وقالوا أفق من لذّة اللهو والصّبا |
|
فقد لاح صبح في دجاك عجيب |
فقلت أخلّائي دعوني ولذّتي |
|
فإنّ الكرى عند الصّباح يطيب |
والمريض والمكروب يجد عند هبوب هذه الريح راحة ، فهبوبها بالاسحار من الليل والغدوات من النهار ، لأنّ في هذا الوقت اعتدال الهواء لاختلاط برودة الليل بحرارة النهار.
طريفة : حكى أبو الفرج في الأغاني قال : إن أهل المجنون (٢) خرجوا به معهم إلى وادي القرى قبل توحّشه ليمتاروا خوفا عليه من أن يضيع ويهلك. فمرّوا في طريقهم بجبلي نعمان ، فقال بعض فتيان الحي : هذان جبلا نعمان وقد كانت ليلى تنزل بهما ، قال : فأيّ الرياح تأتي من ناحيتهما؟ قالوا : الصّبا ، قال : فوالله لا أريم هذا الموضع حتى تهبّ الصّبا. فأقام ومضوا ، فامتاروا لأنفسهم ، ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة أيّام حتى هبّت الصّبا ، فانطلق معهم وأنشأ يقول :
أيا جبلي نعمان بالله خلّيا |
|
نسيم الصّبا يخلص إليّ نسيمها |
أجد بردها أو تشف منّي حرارة |
|
على كبد لم يبق إلّا صميمها |
__________________
(١) هو أبو شجاع فنا خسرو عضد الدولة بن الحسن بن بويه الديلمي. توفي ببغداد سنة ٣٧٢ ه (أنوار الربيع ٤ / ٢٥٥).
(٢) هو قيس بن الملوح (مجنون ليلى). توفي سنة ٦٨ ه ، وقيل غير ذلك (الأعلام ٦ / ٦٠ وأنوار الربيع ١ / ٣٧٦).