فلما علم الشريف بركات بذلك سار إلى مكة المشرفة فدخلها منتصف شعبان من السنة المذكورة ، ففرّ منه الشريف أحمد جازان ، واستقرّ بها الشريف بركات ، ولم يقم له أحمد ، وأخبر بما كان من القاضي فلم يكد يصدّق به. ثم دخل عليه القاضي فأظهر غاية الفرح والسرور بقدومه ، وأمره بتفريق جنده وقال له : لا حاجة لك إلى هؤلاء فإنّما هم كثرة نفقة ، ففرّقهم. فلما فعل ذلك كتب القاضي إلى الشريف أحمد يستقدمه ، ويخبره بما تمّ له من المكيدة ، ووعده بالقبض على أخيه إذا هو وصل مكة في الحرم الشريف من غير مشقّة ولا كلفة ، ويقال أنّ بعض خواص الشريف فعل ذلك مكيدة للقاضي فاستدرجه ، وظنّ القاضي صداقته ، ثم أخذ الكتاب منه ودفعه إلى الشريف بركات. فلما وقف عليه أرسل إلى القاضي المذكور وأوقفه على الكتاب فأنكره ، وقد سبقت له ضغائن في قلبه ، فأمر بالقبض عليه ، واستصفى أمواله وسجنه عنده في بيته ، وقيّده وغلّه ، وعصر عليه بالعصّارات ، وصادر ولده وأخاه سيد الناس في خمسة آلاف دينار وأطلقهما على ذلك. فبيعت ذخائرهم وكتبهم النفيسة ، وانكسرت شوكتهم من ذلك اليوم ، ولم تبق لهم باقية ، وكانوا في عظمة لا يقوم بها الوصف.
ثم أرسل الشريف بالقاضي أبي السعود إلى القنفذة فسجنه بها وعياله وخاصته ـ وكلّ أحد يغضب عليه والي مكة ينفيه إلى القنفذة ـ ولم يزل مسجونا بها إلى يوم الأحد ثاني ذي الحجة الحرام (١) فجاء أمر الشريف إلى والي القنفذة بتغريق القاضي وأن لا يراجعه في ذلك.
فأخرجه إلى البحر في زورق وغرّقه فيه ، وأولاده وعياله ينظرون إليه. فنسأل الله العافية. ولم يبق الآن من بني ظهيرة إلّا الشاذ النادر ، وكان لهم بمكة قبل أن يوقع الشريف بالقاضي المذكور من الأمر والنهي ما لا يقصر عن ملوكها ، حتى أنّ بنتا للقاضي المذكور قالت له : يا أبتي لم لا يعرض عليك العسكر كما يعرض على الشريف ، لما رأت ما هم عليه من الشوكة والمنزلة.
__________________
(١) في ك ، وأ (ذي القعدة) ، وفي البدر الطالع (حادي عشر ذي الحجة).