وليمتان في الاسلام لم يكن مثلهما ولا يكون. فالأولى وليمة الرشيد عند دخوله بزبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور ، كانت أواني الذهب تملأ من الفضّة ، وأواني الفضة تملأ من الدنانير وتدفع إلى وجوه الناس.
ويقال إنّ العود الهندي إنّما فضّل على العود القماري في هذه الوليمة لأنّهما امتحنا فوجد الهندي أطيب وأبقى في الثوب.
قال أبو ياسر : كانت النفقة في هذه الوليمة من بيت خاصة المهدي سوى ما أنفقه الرشيد خمسين ألف ألف دينار.
والثانية وليمة المأمون على بوران بنت الحسن بن سهل. قال أبو الفرج : لما خطبها المأمون استعدّ لها استعدادا يجلّ عن الوصف ، وخرج المأمون إلى فم الصّلح (١) في سنة عشر ومائتين فأملك بها ، وفعل الحسن في هذه الوليمة ما لم يفعله ملك في الجاهلية ولا الإسلام :
نثر على الهاشميين والقواد والكتاب بنادق مسك فيها رقاع بأسماء ضياع ، وأسماء جوار ، وتعيين صلات وغير ذلك من كلّ شيء نفيس. فكان إذا وقع شيء من ذلك في يد من نثر عليه فتحه وتوجّه فاستوفى قبض ما فيه. ثم نثر بعد ذلك على عامة الناس الدنانير والدراهم ، ونوافج المسك ، وقطع العنبر ، وأقام الوظائف والنفقات لجميع ما اشتمل عليه عسكر المأمون لكلّ رجل على قدره. ويقال : إنّ العسكر اشتمل على ستة وثلاثين ألف ملّاح.
قال أبو الفرج : لما جليت بوران فرش لها حصير من ذهب ، وجيء بإناء مملوء درّا فنثر على الحصير ، وكان فيمن حضر من النساء زبيدة بنت جعفر ، وحمدونه بنت الرشيد وغيرهما من بنات الخلفاء ، فلم تلقط واحدة منهنّ شيئا من الدرّ. فقال المأمون : أكرمنها بالتقاطكنّ ، فمدت كلّ واحدة يدها وأخذت واحدة ، وبقي الدر على الحصير الذهب ، فقال المأمون : قاتل الله الحسن ابن
__________________
(١) فم الصلح (بكسر الصاد) نهر كبير فوق واسط عليه عدة قرى ، وفيه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون ، وفيه بنى المأمون ببوران بنت الحسن (معجم البلدان).