وهذه لمعة من بوارق البيان ، وزهرة من حدائق الاحسان ممّا جمعته يد الأقلام ، وابتزّته من صحائف الأعلام ، آثرت إثباتها في هذا التأليف تأليفا للنفوس ، وتفويفا للطروس ، وقد قيل : الشعر مؤتلف العقول ، ومختلف النقول ، وكفاه شرفا وفخرا (أنّ من الشعر لحكمة ، وأن من البيان لسحرا). ولله درّ ابن أوس الطائي (١) حيث يقول :
ولولا خلال سنّها الشعر ما درى |
|
بناة المعالي أين تبنى المكارم (٢) |
فمن ذلك لمعن بن أوس المزني (٣).
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة |
|
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي |
ولا قادني سمعي ولا بصري لها |
|
ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي |
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة |
|
من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي |
بعض العرب :
ولا يشتكيني الجار إن سار ظاعنا |
|
ولا يشتكي ابن العمّ غيبي ومشهدي |
وإنّي إن أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
أبو الأسود الدؤلي (*) ينصح ابنه (٤) :
العيش لا عيش إلّا ما اقتصدت فإن |
|
وتسرف وتقتر لقيت الضرّ والعطبا |
والعلم زين وتشريف لصاحبه |
|
فاطلب هديت فنون العلم والأدبا |
لا خير فيمن له أصل بلا أدب |
|
حتى يكون على ما زانه حدبا |
__________________
(١) هو أبو تمام الطائي وقد مرّ ذكره.
(٢) في ك (بغاة المعالي) وفي الديوان (بغاة الندى من أين تؤتى المكارم) وأثبت المحقق في الهامش روايات أخرى.
(٣) معن بن أوس : شاعر من مخضرمي الجاهلية والاسلام. عمر طويلا وتوفي في زمن عبد الله بن الزبير (أنوار الربيع ٢ / ٨٤). عدد الأبيات في أمالي القالي ٢ / ٢٣٤ خمسة ، وفي الصناعتين / ٥٥ : أربعة.
(٤) في ديوان أبي الأسود (المستدرك) سبعة أبيات من القصيدة ، وفي رواية بعض أبياتها اختلاف.