ولابن حجّة قصيدة ملغزا فيه منها قوله :
يلذّ قبيل العصر في الظّهر رشفها |
|
وبرد لماها من أليم الجوى يبري |
وفي أوّل الأعراف تروي من الظّما |
|
وتضرم نيران الجوى وهي في العصر (١) |
وأنشد الصفدي في الجزء الثامن من تذكرته (٢) لغيره ملغزا فيه :
وذي هيف كالغصن رنّحه الصّبا |
|
يفوق القنا الخطّي بغير سنان (٣) |
له ولد كلّ البرايا تحبّه |
|
وتشتاقه إن عزّ منه تداني |
وأعجب ما فيه يرى النّاس أكله |
|
حلالا قبيل العصر في رمضان |
ورأينا بهذا البندر عينا جارية وماؤها في غاية الحرارة ، يتصاعد منه الدخان ، فيقال : إنها تمرّ على معدن الكبريت فيفيدها هذه الحرارة ، ولقد كنا نشمّ منها رائحة الكبريت.
وقد روي في الأثر كراهية استعمال هذا الماء الحار. روي عن جعفر الصادق عليهالسلام أنه قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الاستشفاء بالحميات ، وهي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي توجد فيها روائح الكبريت فإنّها من فوح جهنم. وعنه (ع) قال : أنّ نوحا (ع) لما كان في أيّام الطوفان دعا المياه فأجابته إلّا ماء الكبريت والماء المرّ. وأمّا خاصيّة ماء الكبريت فإنه يطلق أولا ثم يعقل ، وهو يعقب الحكّة والجرب شربا ، ويمنع منهما غسلا ، ويقال : أن بجبل بالأندلس عينين إحداهما باردة والأخرى حارة والمسافة بينهما شبر.
وأغرب من ذلك ما ذكره المسعودي عن صاحب المنطق : أنّ ببعض المواضع عيونا حامضة يستعمل ماؤها كما يستعمل الخلّ ، وذكر : أنّ العلّة في
__________________
(١) أول سورة الأعراف (المص).
(٢) في كشف الظنون ١ / ٣٨٨ (هي في نحو ثلاثين مجلدا جمع فيها نوادر الأشعار ولطائف الأدبيات نظما ونثرا).
(٣) أورد المؤلف البيتين الأول والثالث في كتابه أنوار الربيع ٦ / ٤٢ منسوبين إلى موفق الدين علي بن الجزار ، مع اختلاف في الرواية.