غضب عليه ولطمه على وجهه ، ولعن والديه وأبوه ، وجده ، فقعد يبكي وينتحب كثيرا ، وحضر الطعام فلم يأكل منه شيئا ، وبقي ذلك اليوم طول نهاره يبكي ، ثم إن استاذه ركب بين الصلاتين إلى الخدمة وأوصى به إلى الفراش وقال له : أطعم قطز واعتبه ، واسترضه.
هذه صورة ما حكى الحاج علي الفراش قال : فجئت إليه بعد ركوب أستاذه ، فقلت له : ما هذا البكاء العظيم من لطمة أو لطشة ، تعمل هذا العمل كله ، لو ضربت ألف عصاة أو ألف دبوس أو جرحت بالسيف ما عملت هذا كله ، ولا بعضه؟ فقال : والله ما بكائي وغيظي من أجل لطشة ، إنما غيظي من لعنته أبواي وجدي ، وأبواي خير منه ، ومن أبوه وجده ، فقلت له : من أنت ومن أبيك قطعة مملوك تركي كافر بن كافرين ، فقال : والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلمين ، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه ، من أولاد الملوك ، قال : فسكت وطايبته وتقلبت به الأحوال إلى أن ملك مصر والشام ، ولما ملك دمشق أحسن إلى الحاج علي الفراش ، وأعطاه خمسمائة دينار مصرية.
وحكى المذكور أيضا قال : حكى لي الحاج أبو بكر ، المعروف بابن الدريهم الأسعردي ، والحاج زكي الدين إبراهيم الجزري المعروف بالجيلي ، أستاذ الفارس أقطاي ، قال : كنا عند الأمير سيف الدين قطز لما ملك أستاذه المعز ، فقد حضر عنده منجم قد ورد من بلاد الغرب وهو موصوف بالحذاقة ، والمعرفة في علم الرمل ، وعلم الفلك ، فأمر أكثر حاشيته بالإنصراف ، فانصرفوا وكنا نحن من أكابر أصحابه وأتباعه ، فجئنا حتى نقوم فأمرنا بالقعود ، وما ترك عنده إلّا من يثق إليه في خواصه ، [ثم إنه] صرف أكثر مماليكه وقال للمنجم : اضرب فضرب وعمل صناعته ، وحدثه بأكثر ما كان في نفسه ، ثم آخر ما قال له : اضرب وابصر من يملك بعد أستاذي ، ومن يكسر التتر ، ومن يكون هلاكهم على يديه؟ قال : فضرب وبقي زمانا يحسب ، وهو مفكر يعدّ