وفي نصف شعبان أغارت العرب على جشارات التتر بتل راهط وما حوله فاستاقوها ، وخرج الملك الأشرف صاحب حمص ، ومن بدمشق من التتار ، ثم رجعوا ولم يقعوا عليها ، وكان الملك الأشرف قد وصل قبل ذلك إلى دمشق ، ونزل في داره وقرىء فرمانه بأن تكون البلاد تحت نظره وفي ثاني رمضان وصل الخبر إلى دمشق باستيلاء التتار على صيدا من بلاد الفرنج ، ونهبها وخلاص ثلاث مائة أسير منها.
وفيها خرج الملك المظفر سيف الدين قطز رحمهالله بعساكر الديار المصرية ، ومن إنضاف إليهم من عساكر الشام إلى لقاء التتار ودفعهم عن البلاد الشامية ، وكان كتبغانوين بالبقاع ، فبلغه الخبر فاستدعى الملك الأشرف وقاضي القضاة محيي الدين ، واستشارهم في ذلك فمنهم من أشار بعدم الملتقى ، والاندفاع بين يدي الملك المظفر ، ومن معه من العساكر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العساكر الاسلامية ، ومنهم من أشار بغير ذلك ، وتفرقت الآراء فاقتضى رأي كتبغانوين الملتقى ، وتوجه من فوره على كره ممن أشار عليه بالاندفاع ، لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وحزبه فحصل التقاء العساكر على عين جالوت (١) في يوم الجمعة خامس وعشرين شهر رمضان ، فانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة ، فحمل الملك المظفر رحمهالله في طائفة عظيمة من المسلمين أولي البصائر فكسرهم كسرة عظيمة أتت على معظم أعيانهم ، وأصيب كتبغانوين ، قيل قتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي ، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء ، واعتصم منهم طائفة بالتل المجاور لمكان الوقعة ، فأحدقت بهم العساكر وصابروهم حتى أفنوهم قتلا وأسرا ، ونجا من نجا بحشاشته ، وأهل البلاد يتخطفونهم ، وفي حال الفراغ من المصاف حضر السعيد حسن ابن الملك العزيز عماد الدين بن الملك العادل بين يدي الملك المظفر رحمهالله
__________________
(١) ـ في هامش الأصل : بليدة لطيفة بين نيسان ونابلس من أعمال فلسطين.