هذا المعنى أعرفها من غرائب الحكايات! قال : هات ، فقال : كان ابن رئيس الرؤساء ناظر واسط يحمل في كل شهر حمل واسط وهو ثلاثون ألف دينار لا يمكن أن يتأخر يوما عن العادة ، فتعذر في بعض الأشهر كمال الحمل فضاق صدره لذلك ، وذكره لنوابه فقالوا له : يا مولانا هذا ابن زبادة عليه من الحقوق أضعاف ذلك ، ومتى حاسبته قام بما يتم الحمل وزيادة ، فاستدعاه وقال له : أنت لم لا تؤدي كما يؤدي الناس؟ فقال : أنا معي خط الامام المستنجد بالمسامحة ، قال : فهل معك خط مولانا الإمام الناصر؟ قال : لا ، قال : قم واحمل ما يجب عليك ، قال : ما التفت إلى أحد ولا أحمل شيئا ، ونهض من المجلس فقال النواب لابن رئيس الرؤساء : أنت صاحب الوسادتين وناظر النظار ، وما على يدك يد ، ومن هو هذا حتى يقابلك بمثل هذا القول ، ولو كبست داره ، وأخذت ما فيها ما قال لك أحد شيئا ، وحملوه عليه حتى ركب بنفسه وأجناده ، وكان ابن زبادة يسكن قبالة واسط ، وقدموا لابن رئيس الرؤساء السفن حتى يعبر إليه وإذا بزبزب قد قدم من بغداد فقال : ما قدم هذا إلّا في مهم ننظر ما هو ، ثم نعود إلى ما نحن بسببه ، فلما دنا من الزبزب ، فإذا فيه خدم من خدام الخليفة فصاحوا به : الأرض الأرض! فقبّل الأرض وناولوه مطالعة ، وفيها : قد بعثنا خلعة ودواة لابن زبادة ، فتحمل الخلعة على رأسك ، والدواة على صدرك وتمشي راجلا إليه ، وتلبسه الخلعة ، وتجهزه إلينا وزيرا ، فحمل الخلعة على رأسه والدواة على صدره ومشى إليه راجلا ، فلما رآه ابن زبادة أنشده ابن رئيس الرؤساء :
إذا المرء حي فهو يرجى ويتّقى |
|
وما يعلم الانسان ما في المغيب |
وأخذ يعتذر إليه ، فقال له ابن زبادة (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)(١) وركب في الزبزب إلى بغداد ، وما علم أن أحدا أرسلت إليه الوزارة
__________________
(١) سورة يوسف ـ الآية : ٩٢.