عطاء ملك بن محمد علاء الدين الجويني ، صاحب الديوان ببغداد والبلاد الشرقية ، كان إماما عالما فاضلا ، فقيها حنفيا ، متبحرا في العلوم ، نقالا لمذهب أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ يعرف العربية ، واللغة ، والمعاني ، وله استقلال بفن الأدب مع الرياسة العظيمة والوجاهة التامة ، وله الأمر والنهي على سائر المملكة ، يتصرف في الأموال والإقطاعات وغير ذلك ، والناس يترددون إلى بابه وخدمته ، ويحضر مجلسه سائر فضلاء بغداد وغيرها ، ويجاريهم في العلوم ، ويبالغ في الإحسان إليهم ، ويمد لهم السماطات الهائلة ، وله أموال كثيرة ، وآلات نفيسة ، وكتب عظيمة ، وكان مسكنه آخر وقت في دار الدوادار الصغير على الجسر الجديد ، وله يد في النظم والنثر ، وكان بين يديه من أمكنات الفضلاء جماعة كثيرة ، وتفضلات على سائر الناس ، ومكارم أخلاق ، وطلاقه وجه ، لا يعسف أحدا ولا يظلمه ، والناس في أيامه كأيام الخلفاء ، وأهل بغداد وغيرها عاكفون على محبته والدعاء له ، وعمل في جامع الكوفة بركة عظيمة ، ينزل إليها بدرج ، وعمل في مشهد علي ـ رضوان الله عليه ـ رباطا مزخرفا ، وساق إليه المياه العظيمة من النهر الذي حفره من الفرات مبدأه من الأنبار ، وأوصله إلى المشهد ، وعمر عليه نحو مائة وخمسين قرية ، وغرم عليه من الأموال ما لا يحصى ، وحصل بذلك للناس رفق عظيم ، فإنهم كانوا يردون الماء قبل عمله من مسافة بعيدة كالصالحية من دمشق ، وأبعد ، وزرع على هذه المياه النخيل العظيمة ، والبساتين ، والكروم ، والبقول ، وكانت أولا كأرض الحجاز ، وكانت سيرته من أحسن السير وأجملها ، وأعدلها بالرعية ، وأنصفها للمظلوم. عمر البلاد جميعها ، وأسقط عن المزارعين مغارم كثيرة كانت من زمن الخلفاء. وكان أخوه الصاحب شمس الدين وزير البلاد في خدمة الملك حيث كان ، وكان من صدور الإسلام ، وله الكلمة النافذة والأمر المطاع ، إماما عالما فقيها في مذهب الشافعي ـ رحمة الله عليه ـ وكانت جوائزهما للعلماء المائة دينار فما فوقها إلى الألف.