الحق في يد مستحقه ، ويوضح لسالكه في سبله ، وطرقه ، أن يفوض إليه تدريس المدرسة الأمينية ، ويجري باسمه العلوم الشاهد به كتاب وقفها المبرور ، وذلك لما تعين شرف مباشرها عند تبين إخلاله بشروط واقفها ، فيتقدم على خيرة الله تعالى ، ويذكر بها دروس فضله التي لا تدرس للأنام آثارها ، ويغرس في قلوب طلبتها حب فرائده ، ليجتني ساعة غرسها ثمارها ، ويجلو وجوه معارفه على خطابها ، ليبلي بمحاسنها ، ويتمتع ، ويغذي أطفال الأذهان الرضع بلبان فضله إلى أن يتسنى بين يديه ، ويترعرع ، ويعمر معناها بالعلم الذي تنكرت فيها معالمه ، وخفي سناه ، حتى لا يدركه شائمه ، ليجني بها فضله الحسن السهل خالدا ، ويغذو كل ظام من جعفره المعروف ، ومعروف جعفره واردا ، وتصبح هذه المدرسة كنيفا ملىء علما ، وقليبا حشي فهما ، وفلكا يبدي شمسا ، ويخفي نجما ، وكنانة يخرج من طلبتها في كل حين سهما يراه متأمله شهما ، والله تعالى يحيى ببقاء علمه ما أماته الجهل ، ويؤنس بأنفاسه ما استوحش من معاهد الخير والفضل إن شاء الله تعالى ، كتب في ثالث عشرين المحرم سنة تسع وسبعين وست مائة» ، وذكر الدرس بها في هذا الوقت وكان القاضي نجم الدين مدرسها بحلب ، وقد استناب ولده بها ، ولم يكن تام الأهلية لمباشرة مثلها.
وفي أواخر شهر المحرم وردت الأخبار أن الملك المنصور أرسل جيشا كثيفا إلى دمشق ، ومقدمه الأمير علم الدين سنجر الحلبي ، ولما اتصل ذلك العسكر بعسكر الملك الكامل الذين بالرملة تأخروا قليلا ، ولما تقدم المصري تأخر الشامي لقتله إلى أن وصل أوائلهم دمشق في أوائل صفر.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر صفر خرج الملك الكامل بنفسه وبجميع من عنده من العساكر ، وضرب دهليزه بالجسورة وخيم هناك بجميع الجيش ، واستخدم وأنفق ، وجمع خلقا عظيما ، وحضر عنده عرب الأميرين شرف الدين عيسى بن مهنا ، وشهاب الدين أحمد بن حجي ،