الديار المصرية ـ رحمهالله ـ وعمل عزاؤه تحت النسر بدمشق بجامعها في يوم الخميس ثالث جمادى الأولى من هذه السنة ، وهو في عشر الخمسين ، كان وسيما جسيما ، شجاعا مقداما كريما ، كثير البر والصدقة ، خبيرا بالتصرف ، حسن التدبير ، عليه مهابة شديدة مع لين كلمة ، وهو الذي توجه إلى الديار المصرية مبشرا بكسرة كتبغا نوين والتتر على عين جالوت ، في شهور سنة ست وخمسين وست مائة.
حكى لي أن سبب ترقيه عند الملك الظاهر ـ رحمهالله ـ أنه سير عشرة هو مقدمهم لكشف بلاد الجزيرة وتلك النواحي ، فلما شارفوا الفرات وجدوها زائدة جدا لا يمكن عبورها ، فرجعوا إلا هو ، امتنع من الرجوع وقال لهم : قد ندبني السلطان في مهم فإما قمت به أو مت دونه ، ثم جعل ثيابه وعدته مشدودة وحملها على رأسه وسبح بفرسه حتى قطع الفرات وحده ، وكشف الجزيرة وظفر بجاسوس معه كتب فأخذها منه ، واجتمع بقوم هناك عيون للمسلمين ، واستعلم منهم الأخبار ، وعاد بعد إقامته هناك أياما ، وخاض الفرات ثانيا كما خاضها أولا ، ورجع إلى الملك الظاهر فأخبره بالخبر فعظم محله عنده ، وارتفعت منزلته لديه ، وكان أمير عشرة ، فاتفق في الحال الراهنة وفاة أمير بطبلخاناة بالديار المصرية ، وأخبر الملك الظاهر بوفاته والفارقاني بين يديه يحدثه ، فأعطاه خبزه ، وظهرت منه الكفاية ، فضاعف الإحسان إليه وزيادته ، وترقيه إلى أن بلغ أعلى المراتب.
أقطوان بن عبد الله الأمير علاء الدين المهمندار ، أحد أمراء الشام ، كان شابا حسنا ، عنده شجاعة ومعرفة وديانة ، توفي بدمشق ليلة الأحد ثامن شعبان ، ودفن من الغد بسفح قاسيون ، وقد نيف على أربعين سنة.
ولما حضرته الوفاة أوصى بثلث ماله يصرف في وجوه البر حيثما يراه الوصي ، وكان من غلمان نجم الدين أمير حاجب الملك الناصر ، رحمهالله تعالى.