السلطان تحت العصائب محفة وراءها السلحدارية والجمدارية وغيرهم من أرباب وظائف الخدمة على العادة توهم أن السلطان بها مريض ، فلما وصلوا قلعة الجبل ترجل الأمراء والعسكر بين يدي المحفة كما جرت العادة ، وكانوا يعتمدون ذلك في طريقهم من حين خروجهم من دمشق ، وصعدوا بالمحفة إلى القلعة من باب السر ، وعند دخولها اجتمع الأمير بدر الدين الخزندار بالملك السعيد ، وكان لم يركب لتلقيهم ، وقبل الأرض ، ورمى عمامته وصرخ وقام العزاء في جميع القلعة ، ولوقتهم جمع الأمراء والمقدمين والجند ، وحلفوهم بالإيوان المجاور بجامع القلعة للملك السعيد ناصر الدين أبي المعالي محمد بركة خان واستتب له الأمر على هذه الصورة.
وفي يوم الجمعة التالية لذلك ، خطب في جميع الجوامع بالديار المصرية للملك السعيد ، وصلي على والده صلاة الغائب.
وفي ليلة الأحد سادس ربيع الأول توفي الأمير بدر الدين بيليك الخزندار ـ رحمهالله ، وسنذكره ، إن شاء الله تعالى ـ وباشر نيابة السلطنة عوضه الأمير آق سنقر الفارقاني.
وفي يوم الثلاثاء ثامنه كسر الخليج الكبير بالقاهرة ، وقد غلق ماء السلطان على العادة وهو ستة عشر ذراعا بالقاسمي.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرة ركب الملك السعيد بالعصائب على عادة والده ، وسار إلى تحت الجبل الأحمر ، وهو أول ركوبه بعد قدوم العساكر وتحليفهم ، ولم يشق المدينة ، وبين يديه الأمراء والمقدمون والأعيان بالخلع وسر الناس به سرورا كثيرا ، وعمره يومئذ تسع عشرة سنة فإن مولده سنة سبع وخمسين وست مائة ببلبيس.
وفي يوم الجمعة خامس وعشرين منه قبض الملك السعيد على الأمير شمس الدين سنقر وبدر الدين بيسري ، وحبسا بقلعة الجبل.