وعندنا جماعة كثيرة من غلمان وغيرهم ، فإذا لم يطبخ بقوا بلا عشاء ، قيل : له الناس يحملون ، قال : الذي كان يحمل من أجله مات ، فلما اذن المغرب عمل السكر والليمون على العادة وأسقى الناس على ما كان يعمل والده ، ومد السماط فأكل جميع الغلمان والحاشية وغيرهم ، وشكره من كان لامه لأن أحدا لم يحمل شيئا ، ثم إنه باع موجود والده ووفى جميع أرباب الديون مالهم ، ومن ادعى بشيء ولم يكن له بينة واستحلفه وأعطاه ، وسافر وجميع من بالرحبة داعون له ، فلما وصل دمشق أقام بها وجمع أطرافه ، وتاب عن أمور كان يعانيها ، ولازم الصلاة والصوم في كثير من الأيام ، فلما كان يوم الخميس ركب للصيد وهو صائم وخرج إلى أراضي الحرجلة ، فمر بحصانه على جسر حجر على نهر قد غمر فنزل ونزل به الحصان في النهر ، وخرج الحصان سباحة فساق مملوكه إلى البلد ورمى الصوت ، فركب نائب السلطنة بنفسه وأخذ معه من يسبح ووقفوا على المكان الذي غرق فيه ودوروا ما جاوره فلم يجدوا له أثرا ، وبقوا على ذلك يومين ثم وجدوه على بعد من ذلك المكان ، وقد علق فردة مهمازة بسياجة ، فاستخرجوه غريقا وغسلوه ودفنوه بسفح جبل قاسيون ، وتأسف الناس عليه لشبابه وموته على هذه الصورة.
مرخسيا النصراني ، لعنه الله ، كان أثيرا عند أبغا ملك التتار ، وله عليه دالة كبيرة ، وهو متمكن منه ، فكان يحمله على المسلمين بما يسيء بهم عنده ، ويرغبه بهم ، ويرغبه في الإيقاع بهم ، حتى ضاقوا به ذرعا ، خصوصا أهل الروم ، ومعين الدين البرواناة ، فلما قوي جأش معين الدين كتب إلى قطب الدين محمود أخي أتابك ختن البرواناة ، وكان نائبا عن أخيه بأرزنجان ، يأمره بقتل مرخسيا القسيس فقتله وولده ، وسبعة من أهله ، واثنين وثلاثين نفرا من حاشيته ، وكان هذا مرخسيا كثير العصبية على المسلمين ، عضدا لأهل ملته ، محرضا لملوك النصرانية المتاخمين لبلاد الروم ، والمجاورين لها على موافقة التتر في قصد بلاد