ذكر قصد أبغا الروم لأخذ الثأر
كان البرواناة لما رأى الدائرة على التتر كتب إلى أبغا يعرفه ويستحثه على المبادرة ليدرك البلاد قبل أن يستولي عليها الملك الظاهر ، ثم كان من دخوله قيصرية وخروجه إلى دوقات ما ذكرناه ، فلما قضى غرضه من حفظ ما كان معه من الذخائر والأموال ، وترتيب أمر السلطنة ، بلغه توجه أبغا طالبا بلاد الشام ، فخرج إليه فوافاه في الطريق ، وسار معه بمن بقي من العساكر إلى أن وصل ألبلستين ، فلما شارف المعركة ورأى القتلى بكى ثم قصد منزلة الملك الظاهر فقاسها بعصا الدبوس فعلم عدة من كان فيها من العساكر.
فأنكر على البرواناة كونه لم يعرفه بجلية أمرهم ، فأنكر أن يكون عنده علم منهم ، وأنه ما أحس بهم إلا عند دخولهم ، فلم يقبل منه هذا العذر ، وحنق عليه ، وقال بحق ما قالوا : إن لك باطنا مع صاحب مصر ، ثم بعث إلى عسكره إلى الشام ، وكان عز الدين أيبك السنجي قد عاد في خدمته فقال : أرني مكان الميمنة والقلب والميسرة فأوقف له في كل منزلة رمحا ، فلما رأى بعد ما بين الرماح قال : ما هذا عسكر يكفيهم هذه الثلاثين ألف الذين جاؤوا معي ، ثم سير إلى العسكر الذي توجه إلى كينوك وطلبه ، ثم بلغه أن الملك الظاهر بالشام مهتم بلقائه ، وكان قد نفق أكثر خيل أبغا وخيل عسكره ، فرأى من نفسه الضعف فرد إلى قيصرية ، وسأل أهلها : هل كان مع صاحب مصر جمال؟ فقالوا : لم يكن معه إلا خيل وبغال ، فقال : هل نهب منكم شيئا؟ قالوا : لا ، فقال : كم لهم عندكم يوم؟ فقالوا : خمسة وعشرون يوما ، فقال : هم الآن عند جمالهم وأموالهم.
ثم عزم على قتل من في قيصرية من المسلمين ، فاجتمع إليه القضاة والفقهاء وقالوا : هؤلاء رعية لا طاقة لهم بدفع عسكرهم ، من الزمان في طاعة من ملكهم ، فلم يقبل وأمر بقتل جماعة من أهل البلد وقاضي