بأخلاقه ، فلازمه مدة ، فلما علم الملك الظاهر منه الاستقلال بذلك ، جعله مشاركا له في أمر الجيش ، وقطع الرواتب التي كانت للأتابك ، واقتصر به على ماله من الإقطاعات ، فجمع نفسه وتبع مراد الملك الظاهر ، ثم قبل وفاته بمدة ـ لعل قريب السنة أو ما حولها ـ أمره أن يتداوى ، وقيل له أنه ربما ابتدأ به طرف جذام ، ولم يكن به شيء من ذلك ، فلزم منزله وحصل له من الغبن ما كان سببا لوفاته ، ثم إن الملك الظاهر عاده قبل وفاته غير مرة ، فعاتبه الأتابك بلطف ومت بخدمته ، وبكى بين يديه فبكى الملك الظاهر لبكائه ، ولم يزل متمرضا إلى أن توفي إلى رحمة الله بالقاهرة في جمادى الأولى ـ اظن في الثاني والعشرين ـ وقد نيف على السبعين سنة من العمر رحمهالله تعالى.
لما كان عند ابن يمن بدمشق كان يعاشره أحد بني بردويل ثلاثة نفر إخوة جيرانه بالقصاعين ، لكن كان أحدهم كثير الاختصاص به يعاشره ، ولا يكاد يفارقه ، فلما انتقل إلى الملك الصالح نجم الدين كان الأتابك من جملة من كان بدمشق من مماليكه حين أخذها الملك الصالح إسماعيل ، فاعتقله وتمرض بالحبس فنقل إلى البيمارستان النوري ، فلما أبل أفرج عنه ، وفسح له بالتوجه إلى الديار المصرية ، وهو في عافية في رقة الحال ، فسير غلامه بورقة إلى ابن بردويل صاحبه يطلب منه ما يستعين به على سفره قرضا ، فلما قرأ الورقة قال للغلام صاحبها : ما أعرفه فبقي الغلام كلما عرفه به ويقول : هو صاحبك وعشيرك ، يقول : ما أعرفه فرجع الغلام إليه وعرفه ذلك ، فتحيل وسافر وتنقلت به الأحوال ، فلما جفل الناس في سنة ثمان وخمسين كان أولاد بردويل من جملة من توجه إلى الديار المصرية ، فقصدوا باب الأتابك ، فدخل الحاجب وأخبره بهم ، فقال : من هم؟ قال : فلان ، وفلان ، وفلان ، قال : أما فلان وفلان فأدخلهم ، وأما فلان فما أعرفه ، فدخل أخواه فسلم عليهما ورحب بهما ، فقالا : ياخوند! مملوكك فلان ، قال : ما أعرفه ، وهم يقولون : ياخوند!