ولما عاد الفارقاني إلى حلب رحل الملك الظاهر منها قاصدا الديار المصرية في ثامن وعشرين ربيع الآخر ، ودخل مصر في الثالث والعشرين من جمادى الأولى ، ولما كان بحلب خرجت طائفة من الفرنج من عثليت وأغارت على قاقون وأخذت التركمان على غفلة منهم ، فلحقهم الأمير جمال الدين آقوش الشمسي ببعض العسكر ، واسترد بعض الغنيمة ، ثم أغاروا ثانية على القرين فلحقهم واقتلع منهم عشرين فارسا ، وعند وصول الملك الظاهر إلى مصر قبض على الأمراء الذين كانوا مجردين على قاقون غير الشمسي فشفع فيهم فأطلقهم.
وأما الأمير علاء الدين طيبرس فإنه سار ومعه عيسى بن مهنا في جماعة من العرب ، فخاض الفرات ، وسار إلى حران فخرج إليه من بها من نواب التتر ، فالتقاهم عيسى ، وطاردهم وطاردوه ، فخرج عليهم العسكر فلما رأوه نزلوا عن خيولهم وقبلوا الأرض وألقوا سلاحهم ، فقبضوا عن آخرهم ، وكانوا ستين رجلا ، وسار الأمير علاء الدين إلى حران فأغلقوا أبوابها وتركوا بابا واحدا ، فخرج منه الشيخ محاسن بن القوال أحد أصحاب الشيخ حياة ومعه جماعة كثيرة ، وذلك يوم الثلاثاء سادس عشري ربيع الآخر ، وأخرج له طعاما تبركا فتلقاه الأمير علاء الدين وترجل له ، فأخرج له مفاتيح حران ، وقال له : البلد للسلطان ، ثم عاد علاء الدين ، ولم يدخل حران فعبر الفرات سباحة وعاد إلى مصر.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة عبر الملك الظاهر إلى بر الجيزة فأخبر أن ببوصير السدر مغارة بها مطلب فجمع لها خلقا ، فحفروا أمدا بعيدا فوجدوا قطاطا ميتة ، وكلاب صيد ، وطيور ، وغير ذلك من الحيوان ملفوفا في عصائب ، وخرق فإذا حلت اللفائف ولاقى الهواء ما كان فيها صار هباء ، وأقام الناس ينقلون ذلك مدة ، ولم ينفد ما فيها فأمر الملك الظاهر بتركها ، وعاد من الجيزة يوم الثلاثاء ثالث وعشرين منه.