ما يقتضى ، فما ألوى عليهم حلمنا ولا عرج ، ولا نفس عنهم كربة ولا فرج ، فزحفنا عليها في يوم السبت بكرة وهو رابع الشهر ، فلم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، وقد دخلت عليهم من أقطارها ، وتسور العسكر المنصور من أسوارها ، وامتدت ألسنة الصوارم وأسنة الرماح ، وشهرت البيض الصفاح ، وأريقت الدماء واستحيت النساء ، وغنمت الأموال ، وجدلت الابطال ، ووجد العالم من التحف والنعم ما لا كان يمر في خلد ولا يخطر في بال ، وكتابنا هذا واليد الاسلامية لها متسلمة ، وفيها متحكمة ، فالمجلس يأخذ حظه من هذه البشرى ، ويرى منها هذه الآية الكبرى ، وما نريهم من آية إلا هي أكبر من الأخرى ، ويتلقاها ببشر فقد بعثنا بها إليه في أحسن رونق النصرة ، واقبلت بحمد الله كما بدأت أول مرة ، فليشعها المجلس في كل باد وحاضر ، ولينشر خبرها على أكباد المنابر ، والله بكرمه يجعل سعادته من أتم الذخائر ، إن شاء الله تعالى.
كتب رابع شهر رمضان المعظم سنة ست وستين وستمائة.
وأنطاكية مدينة عظيمة مشهورة ، مسافة سورها اثنا عشر ميلا ، وعدد أبراجها مائة وستة وثلاثون برجا ، وعدد شرفاتها أربعة وعشرون ألفا ، ولما ملك الملك الظاهر أنطاكية وصل إليه قصاد من بغراس يطلبون تسليمها إليه ، فسير شمس الدين الفارقاني بالعساكر فوصل إليها فصادف أكثر أهلها قد نزح ، فتسلمها في ثالث عشر شهر رمضان ، وكان قد تسلم دركوش بوساطة فخر لادين الجناحي في تاسع رمضان ، وصالح أهل القصير على مناصفته ، ومناصفة القلاع المجاورة له ، وعاد إلى دمشق فدخلها سابع عشري شهر رمضان وعيد بقلعة دمشق.
ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر
كان الملك الظاهر لما اسر ليفون ابن صاحب سيس ، بعث إليه أبوه يطلب منه الفداء ، وبذل له مالا جزيلا ، فلم يقبله وطلب منه في الفداء