العساكر ، وعزم على العود ، فزاد به الصرع فمرض ، ولم يزل ضعيفا نحو شهرين ، وهلك فأخفوا موته وصبروه ، وجعلوه في تابوت من خشب وقيل أنهم لم يدفنوه بل علقوا تابوته بسلاسل في قلعة تلا من أعمال سلماس ، ثم أظهروا موته ، وكان ولده أبغا في بلد بادغيس في مقابلة برق ، فسير أكابر المقدمين في طلبه ، فلما حضر أجلسوه على التخت مكان أبيه ، وكتب إلى ممالكه يعرفهم بجلوسه واستقامة الأمر له ، وخلف هولاكو من الأولاد سبعة عشر ذكرا غير البنات ، وهم أبغا المذكور ، ملك الأمر بعده واشموط وهو الذي كان تولى حصار الملك الكامل رحمهالله بميافارقين وتبشين وتكشي ، وهو سفاك للدماء جبار كثير القتل ، وأجاي ، وتستر ومنكوتمر وهو الذي قدم بالعساكر والجحافل إلى الشام سنة ثمانين وستمائة ، ومنّ الله تعالى بالنصرة عليه ظاهر حمص ، ولله الحمد وباكودر ، وأرغون وتغاي تمر ، وأحمد ، وهو الذي ملك البلاد بعد أبغا ، وكان مسلما حسن السيرة ، والباقون صغار لم تحقق أسماؤهم ، وكان تقدير عمر هولاكو وقت وفاته فوق الستين سنة ، أفنى فيها من الأمم ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
حكى القاضي سراج الدين الأرموي رحمهالله أنه توجه إلى هولاكو رسولا من جهة صاحب الروم بعد أخذه بغداد ، قال سراج الدين : فلما دخلت عليه ، وجدت حوله صبيا صغيرا يلعب ، فلما وقعت عيني على الصغير أخذ بمجامع قلبي ، ولم استطع كف بصري عنه ، فلما رأى ذلك مني هولاكو قال للترجمان : قل له : تعرف هذا الصبي من هو؟ قال سراج الدين : فلما قال لي الترجمان ذلك قلت : لا ، قال فلم تديم النظر إليه ، فقلت أجد في نفسي الميل إليه من غير اختيار مني ، فقال : هذا ولد الخليفة ، قال سراج الدين : فقمت قائما وقبلت قدمي ذلك الصغير ، فقال هولاكو للترجمان : عرفه أننا قد أقمنا له من يؤدبه بآداب المسلمين ، ويعلمه دين الاسلام ، ولم ندخله في دين المغل ، قال سراج الدين : فقلت ما ناسب من الشكر له على ذلك ، وتحققت رجحان عقله.