بدمشق إلى أن توفي الملك الصالح نجم الدين ، وقدم الملك المعظم توران شاه ولده دمشق ، وتوجه منها إلى الديار المصرية ، وقتل على ما هو مشهور ، وتقرر الملك المعز بالديار المصرية ، فراسله في موافقته ، فلم يجبه وبقي بدمشق إلى أن قدمها الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمهالله ، وملكها ، فاعتمد عليه في سائر أموره ، وكان هو أمير الدولة ومشيرها ، وله عند الملك الناصر المكانة العالية ، والمرتبة الرفيعة ، ولم يكن في أمراء الدولة من يضاهيه في منزلته ، ومكانته وقربه ومحله إلا الأمير ناصر الدين القيمري رحمهالله ، وكان الأمير جمال الدين من رجال الدهر عقلا وحزما ، وسدادا وحشمة ، وله الآراء الثاقبة والفراسة الصائبة ، وإنعامه واصل إلى الأمراء ، والفقراء ، والرؤساء ، وكان بينه وبين والدي رحمهالله مودة كبيرة ، ومكاتبات في حال الغيبة ، وكان في الدولة الناصرية ، كثير البر والاحسان إلى الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ، فلما أفضت السلطنة إليه أعرض عنه بعض الإعراض ، ثم أقبل عليه ورعى له سالف خدمته وعظم قدره ، وجعله أستاذداره ، وفوض إليه أمورا كثيرة لعلمه بكفايته ، وعظم غنائه ، ولم يزل على ذلك إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى كما ذكرنا.
يوسف بن الحسن علي أبو المحاسن بدر الدين السنجاري الزرزاري ، كان رئيسا جليلا جوادا ممدحا ، موصوفا بالكرم ، والرئاسة ، لا ينازع في ذلك وتنقلت به الأحوال ، فكان في أول أمره بسنجار ، وتلك البلاد المشرقية ، وكان له عند الملك الأشرف مظفر الدين أبي الفتح موسى بن الملك العادل رحمهالله مكانة ووجاهة ، فلما وصل ملك دمشق وما معها ولاه القضاء ببعلبك ومضافاتها ، وهي البقاع البعلبكي ، والبقاع العزيزي ، والزبداني ، والجبال ، فكان القضاة في هذه النواحي نوابه ، ومن قبله ويكتب له في اسجالاته قاضي القضاة ، ووقفت على كثير من اسجالاته لما كان متوليا ببعلبك ، وكنيته فيها أبو العز ، وكان مع صغر