واتفق قتل المعظم على الصورة المشهورة ، فلا حاجة إلى شرحه ، والأمر على ذلك واستقر في الأتابكية وتقدمة العساكر الامير عز الدين أيبك التركماني كما تقدم في ترجمته ، والسلطنة لشجر الدر ، وشرعوا في الحديث مع ريد افرنس في تسلم دمياط إلى المسلمين وكان المتحدث معه الامير حسام الدين بن أبي علي باتفاق الأتابك والأمراء عليه ، فجرى بينه وبين ريد افرنس محاورات ومراجعات حتى وقع الاتفاق على تسليم دمياط ، وأن يذهب بنفسه ومن معه من الملوك والأكابر سالمين.
وحكى الأمير حسام الدين عنه أنه كان فظا عاقلا حازما ، قال حسام الدين : قلت له في بعض محاورتي له : كيف خطر للملك مع ما أرى من عقله وفضله وصحة ذهنه أن يقدم على خشب ، ويركب متن هذا البحر ويأتي إلى هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام ، ويعتقد أنه يحصل له تملكها ، وفيما فعل غاية التغرير بنفسه وأهل ملته؟ فضحك ولم يحر جوابا ، فقلت له : قد ذهب بعض فقهاء شريعتنا أن من ركب البحر مرة بعد أخرى مغررا بنفسه وماله إنه لا تقبل شهادته إذا شهد ، لأنه يستدل بذلك على ضعف عقله ، ومن كان ضعيف العقل لا تقبل شهادته ، فضحك وقال : لقد صدق هذا القائل وما قصر فيما حكم به.
ولما وقع الاتفاق على تسليم دمياط أرسل ريد افرنس إلى من بها من افرنج يأمرهم بتسليمها إلى المسلمين ، فأجابوا بعد امتناع ومراجعات بينه وبينهم ، ودخل السنجق السلطاني دمياط يوم الجمعة لثلاث مضين من صفر سنة ثمان وأربعين ، ورفع على سورها وأعلن بها بكلمة الإسلام ، وأفرج عن ريد افرنس ، وانتقل هو وأصحابه إلى الجانب الغربي ، ثم ركب البحر غد هذا اليوم وأقلع هو وأصحابه إلى عكا ، وأقام بالساحل مدة ، وعمر قيسارية ، ثم رجع إلى بلاده ، وكانت هذه النصرة أعظم من النصرة الأولى التي كانت في الأيام الكاملية ، لكثرة من قتل منهم ، وأسر في هذه المرة ، لله الحمد والمنة.