لكنه لم يشعر بذلك فأشغله ما به عن انجاد صاحب حمص ، ولما ضاق الأمر بصاحب حمص راسل الأمير شمس الدين لؤلؤ ، وطلب منه العوض فعوضه عن حمص تل باشر مضافا إلى ما بيده من الرحبة وتدمر ، وتسلم حمص منه ، واطلع الأمير شمس الدين في أثناء ذلك على كتاب لمخلص الدين إلى الأمير فخر الدين ابن الشيخ يستعجله ليقدم ويدفع عسكر حلب ، وقد بسط القول في الكتاب ، فغضب الأمير شمس الدين وحمل الملك الأشرف على القبض على مخلص الدين ، فقبض عليه وعذبه حتى مات بتل باشر ، وتسلم الملك الأشرف تل باشر ، ولما بلغ ذلك الملك الصالح نجم الدين عظم عليه جدا ، وتوجه إلى دمشق في محفة لما به من المرض وتقدم إلى الأمير فخر الدين بالمسير بالعساكر إلى حمص لانتزاعها من يد نواب الملك الناصر ، فسارت العساكر ، ونازلوها ، وضايقوها ونصبوا عليها المجانيق ، ومنها منجنيق مغربي حجره مائة وأربعون رطلا بالشامي ، وجدوا في حصارها ، لأن الزمان كان شتاء ، وخرج الملك الناصر من حلب في منتصف رمضان ، فنزل بأرض كفر طاب ، ولم يزل الحصار مستمرا إلى أن ورد الشيخ نجم الدين الباذرائي للاصلاح بين الملك الصالح نجم الدين ، والملك الناصر صاحب حلب ، على أن يقر حمص بيد الملك الناصر ، فوقع الاتفاق على ذلك ، ورحلوا عنها ، وكان سبب انتزاع الملك الناصر حمص من الملك الأشرف أنه سلم قلعة شميميس في سنة خمس وأربعين إلى الملك الصالح نجم الدين ، بسفارة مخلص الدين ، فعظم ذلك على الملك الناصر ، والأمير شمس الدين لؤلؤ ، وكرها مجاورة الملك الصالح لحلب وما والاها ، وخشيا أن تسلم إليه حمص ، ولهذا انتصر الملك الصالح للملك الأشرف ، وجهز العساكر لنجدته ، لكن فات الأمر فأمرهم بمحاصرة حمص ، وانتزاعها فجرى الأمر على ما ذكرنا.
وفي يوم الاثنين لعشر مضين من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين تسلم