حكى لي الصاحب مجد الدين أبو الفداء اسماعيل المعروف بابن كسيرات الموصلي رحمهالله قال : كان مظفر الدين صاحب صهيون يقعد في كل يوم في باب قلعته ويأخذ شمعا ويختم عليه بخاتمه ، فكل من كان له دعوى على خصم أو محاكمة جاء وجاب معه من المأكول شيئا فيضعه في الدركاه قدام مظفر الدين ، ويأخذ من ذلك الشمع ختم ويذهب به إلى خصمه فيقول هذا ختم السلطان ، فيأخذ خصمه معه شيئا بحسب حاله ، ويحضروا إلى بين يديه فيحكم بينهم بنفسه ، فسألته وقلت له : ايش كان يجيبون له يا مجد الدين؟ قال كل انسان على مقداره من قليل وكثير ، وجليل وحقير ، يحضره ويهاديه به ، قال مجد الدين : ولما كنت مباشر نظر نابلس خدم بالديوان شيخ من أهل صهيون جاندار ، فدخل بعض الأيام معي إلى الحمام ليغتسل ، فوجدت في جنبه أثر شربة ، وهي مخيطة ، وفيها بخش صغير ، فسألته عن ذلك فقال لي : لما كنت شابا سافرت فوقع علي حرامية فجرحوني ، وشقوا جوفي وخيطوه فألحم الجميع ، وبقي هذا البخش على حاله ، ثم بعد ذلك انسد عليّ المخرج المعتاد ، وبقيت اتغوط من هذا البخش مدة سنين ثم أشده بخرقة وأربط عليه ، فإذا اردت أتبرز يتحرك علي جوفي فاحل الرباط ، وأشيل الخرقة وأميل على جنبي لحظة فيخرج الخبث فإذا فرغت أعود وأشده ، وأشد عليه الخرقة ، كما كان ، فاتفق أن جاء الخميس الكبير ، وأنا يومئذ في خدمة الأمير مظفر الدين صاحب صهيون ، وقد جاءه بيض كثير من جميع ضياع صهيون ، بحيث اجتمع في دركاه القلعة فوق عشرين ألف بيضة ، فقال مظفر الدين : ترى يقدر أحد أن يأكل من هذا البيض مائة بيضة نية؟ فقال واحد : نعم أنا اشرق مائتين فقال واحد : أنا أشرق ثلاثمائة ، فقلت : أنا أشرق أربعمائة بيضة ، قال الأمير مظفر الدين : إن فعلت هذا أعطيك خمسين درهما ، ثم إنهم عدوا لي أربعمائة بيضة وسلموها إلي فشرقتها جميعها ، وازددت فوقها عشرين بيضة أخرى ، فوهبني خمسين درهما ، وبقيت ذلك اليوم لم أتبرز ، فلما كان آخر الليل تحرك علي جوفي ، وقمت حتى أتبرز على عادتي