فينزل جميع ما في الرمح من السم في تلك البئر ، فسموا بهذا الفعل جميع ما عندهم من المياه ، ونزلوا من عندهم إلى كتبغا وأخبروه بانتهائهم إلى ما أمرهم به ، وأقام كتبغا ومن معه على حالهم أياما ، فهلك من شرب من ذلك الماء ، وتسلم الحصن ، وهو الذي افتتح حصون الشام ، ورأيته لما حضر إلى بعلبك لحصار قلعتها ، وقد دخل جامع المدينة وصعد منارته ليشرف منها على القلعة ، ثم نزل وخرج من الباب الغربي الذي في صحن الجامع ، ودخل حانوتا خرابا فقضى حاجته به والناس يشاهدونه ، وعورته مكشوفة ، ومعه بعض التتر ، فلما فرغ مسحه ذلك الشخص بقطن كان معه مسحة واحدة ، وركب وكانت لحيته شعرات يسيرة في حنكه ، وهي مضفورة دبوقة لطولها ، وربما جعل طرفها في حلقة في أذنه ، وربما أرسلها على صدره فتبلغ سرته ، وكان مهيبا مطاعا في جنده ، لا يجسرون على مخالفته ، ولا الخروج عن أمره ، وكان يردعهم عن كثير من أفعالهم ، وكان إذا أمن أحدا وكتب له أمانا كان أقرب إلى الوفاء به من غيره من التتر ، وهذا على ما فيه من الغدر ، وكان شيخا مسنا أدرك جنكز خان الأخير ، جدّ هولاكو ، وكان عنده ميل إلى دين النصرانية ، لكنه لا يظهر الميل إلى النصارى لتمسكه بأحكام ياسة جنكز خان وسائر أرباب الأديان عنده سواء ، وهذا من أحكام الياسة ، وكان إذا كتب عنه كتاب يقول في أوله : من كلام كيد بوقانوين ، والنوين عندهم مقدم عشرة آلاف فارس ، فما زاد عليها ، ولا يقال لمن هو مقدم على من تنقص عدتهم عنها.
ولما بلغه خروج العساكر مع الملك المظفر رحمهالله وكثرتها تلوم وتوقف ، واستشار فأشار عليه بعض الناس بالتأخر ، وأشار عليه بعضهم بالملتقى ، فحملته نفسه وشجاعته وما قد ألفه من النصر في سائر المواطن على اللقاء فتوجه لذلك ، ولقيهم على عين جالوت بالقرب من بيسان ، فكانت الوقعة المشهورة التي نصر الله تعالى فيها الإسلام