وتوقيعاته في أيديهم ، عطفوا على سواد بكجور فنهبوه ، وانصرفوا عنه واستأمنوا إلى سعد الدولة ، ونزلوا عليه ، ورأى بكجور ما تم عليه من : تقاعد نزال ، وغدر العرب ، وتأخر غلمان سعد الدولة الذين كانوا كاتبوه ووعدوه الانحياز إليه إذا عاينوه ، فاستدعى أبا الحسن كاتبه المعروف بابن المغربي (١) ، وقال له : غررتني وأوهمتني أن العزيز يجئني ويعاونني ، وأن العرب تخلص لي وتناصحني ، وأن العرب توافيني ويستأمنوا إلي ، وما كان لشيء من ذلك حقيقة فما الرأي الآن ، فإن بإزائنا عسكرا عظيما لا طاقة لنا به؟ قال : صدقت أيها الأمير فيما قلته وو الله ما أردت غشك ولا فارقت نصحك ، والصواب مع هذه الأسباب العارضة أن ترجع إلى الرقة وتكاتب العزيز بما عاملك به نزال وتعاود استنجاده ، فإنه ينجدك ويستظهر في أمرك ، وكان في عسكر بكجور قائد من قواده يجري مجراه في التقدم يعرف بابن الخفاني ، فقال له وقد سمع ما جرى بينه وبين ابن المغربي ، فقال : ما عندك فيما قاله وأشار به فقال له : هذا كاتبك يقول إذا جلس في دسته : الأقلام تنكس الأعلام ، فإذا حقت الحقائق أشار علينا بالهرب ، وإذا هربنا فأي وجه يبقى لنا عند الملوك وزوجة من يهرب اليوم طالق ليس إلا السيف فإما لنا وإما علينا ، وسمع ابن المغربي ما قاله ابن الخفاني ، فخاف بكجور ، وقد كان واقف بدويا من شيوخ بني كلاب يعرف بسلامة بن بريك على أن يحمله إلى الرقة متى كانت هزيمة ، وبذل له ألف دينار على ذلك ، فلما استشعر من بكجور ما استشعره ، سامه (٢٦ ظ) تسييره قبل الوقت الذي أعده له فأوصله إلى الرقة.
وعمل بكجور على ما فيه من قوة النفس وفضل الشجاعة على أن يعمد إلى الموضع الذي فيه سعد الدولة من مصافه ، ويهجم عليه بنفسه ،
__________________
(١) علي بن الحسين المغربي الكاتب ، من وجوه الدولة الفاطمية أيام الحاكم بأمر الله ، كان من أصحاب سيف الدولة الحمداني ، ترك مدينة حلب في أيام سعد الدولة بن سيف الدولة ، التحق بمصر سنة ٣٨١ ه ، فولي نظر الشام وتدبير الرجال والأموال سنة ٣٨٣ ، وصار من جلساء الحاكم ، ثم تغير عليه فقتله سنة ٤٠٠ ه / ١٠١٠ م. الاشارة إلى من نال الوزارة : ٤٧. زبدة الحلب : ١ / ١٨٨.