وافقنا إلا على ما فيه مصلحة ابن أستاذي ، فلما أيس منه ، فرق ضياع الشام على الأمراء ، وخلع عليهم ، وفرق الخزائن وكان فيها تسعمائة ألف دينار ، وتوجه فخر الدين إلى مصر ومعه جماعة من الأمراء بعد أن تردد إلى الناصر بالقابون دفعات ...
فصل
وفيها توفي الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب ولد بالقاهرة في سنة ست وسبعين وخمسمائة ، وكان في مبدأ أمره بالقدس تحت ابن الزنجبيلي عثمان ، قال لي المعظم : أنا أخذت له : حران ، والرها ، والشرق ، وجهزته من عندي بالخيل ، والعدة والمماليك ، وتقلبت به الأحوال حتى صار شاه أرمن ، وكسر المواصلة ، والروم ، والخوارزمي ، وأخاه شهاب الدين ، وكان جوادا عادلا ، عاقلا ، لو كانت الدنيا بيده ودفعها إلى أقل الناس ما استكثرها له ، وكان ميمون النقيبة ، وما كسرت له راية قط ، ولما أيقن بالموت أخذ بعض مماليكه سنجقه ليكسره ، وقال ما يحمله غيره ، فقال له : لا تفعل فو الله ما كسر قط ، وحضر مجالسي بخلاط ، وحران ، ودمشق في ذي الحجة يوم عرفة بعد العصر بجامع التوبة التي أنشأه ، وبكى بكاء شديدا ، واعتق مماليكه وجواريه ، وكان عفيفا عن المحارم ما خلا بامرأة إلا أن تكون زوجة ، أو جارية ، ولما صعدت إلى خلاط اجتمعت به بالقلعة جلس يوما في منظرة فعبت على المعظم في قضية بلغته عنه ، وقال : والله ما مددت عيني إلى حريم أحد ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولقد كنت يوما قاعدا هاهنا في هذه الطيارة ، فدخل الخادم فقال : على الباب امرأة عجوز ، تذكر أنها من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط ، فأذنت لها فدخلت ومعها ورقة من بنت شاه أرمن ، تذكر أن الحاجب علي قد قصدها ، وأخذ ضيعتها وقصده هلاكها ، وما تتجاسر أن تظهر خوفا منه ، قال : فكتبت على الورقة بإطلاق القرية ، ونهي الحاجب عنها ، فقالت العجوز : فهي تسأل الحضور بين يديك ،