وسلمها إلى الكامل في آخر جمادى الأولى ، فأقام بها إلى ثاني عشرين رجب ، فتوفي ودفن بالقلعة بعد ما صلوا عليه وأظهروا موته.
ذكر ما جرى بعد وفاته
اجتمع الأمراء ، وفيهم سيف الدين بن قليج ، وعز الدين أيبك والركن الهيجاوي ، وعماد الدين ، وفخر الدين ابنا الشيخ ، وتشاوروا وانفصلوا على غير شيء ، وكان الملك الناصر بدار سامة فجاءه الهيجاوي والركن في الليل ، وبينا له وجه الصواب ، وأرسل إليه عز الدين أيبك يقول : أخرج المال ، وفرقه في مماليك أبيك ، والعوام معك ، وتملك البلد ويبقوا في القلعة محصورين ، فما اتفق ، وأصبحوا يوم الجمعة في القلعة فحضر من سمينا بالأمس ، وذكروا الناصر ، والجواد ، وكان أضر ما على الناصر عماد الدين لأنه كان يجري في مجلس الكامل مباحثات ، فيخطئه فيها ويستجهله ، فيبقى في قلبه ، وكان فخر الدين يميل إليّ ، فأشار عماد الدين بالجواد ووافقوه ، وراح الهيجاوي يوم الجمعة إلى الناصر وهو في دار سامة ، فدخل عليه وقال له : ايش قعودك في بلد القوم ، قم فقام وخرج وركب ، وجمع من في دمشق من دار سامة إلى القلعة ، وما شك أحد أن الناصر طلع القلعة ، وساق ، فلما تعدى مدرسة العماد الكاتب ، وخرج إلى الرفاق ، عرج على باب الفرج ، فصاحت العامة : لا ، لا ، لا ، وانقلبت دمشق ، وخرج الناصر من باب الفرج إلى القابون ، ووقع بهاء الدين بن ملكيشو في الناس وغلمانه بالدبابيس فاتكون فيهم فهربوا ، وأما الجواد فإنه فتح الخزائن ، وأخرج المال ، فبلغني أنه فرق ستة آلاف ألف دينار ، وخلع خمسة آلاف خلعة ، وأبطل المكوس ، والخمور ونفى الخواطي ، وأقام الناصر بالقابون أياما ، وعزموا على قبضه ، فرحل وبات بقصر أم حكيم ، وخرج خلفه أيبك الأشرفي ليمسكه ، وعرف عماد الدين بن موسك ، فبعث إليه في السر ، فساق في الليل إلى عجلون ، ووصل أيبك إلى قصر أم حكيم ، وعاد إلى دمشق.