والله ، قال : وكيف؟ قلت : في يوم كذا وكذا ، فأخذوا دمياط ، وقد قلت اليوم كذا فالملوك منطقون بخير وشر ، فأخذ دمياط بعد قليل.
وكانت وفاة الملك الكامل ليلة الأربعاء ، حادي عشرين رجب في بيت صغير بدار الفضة ، ولم يعلم أحد بموته ، ولا حضره أحد من شدة هيبته ، ودخلوا عليه فوجدوه ميتا ، وكان مرضه نيفا وعشرين يوما بالإسهال والسعال ، والنزلة في حلقه ، ونقرس في رجليه ، وأظهروا موته يوم الجمعة ، ولم يحزن عليه أحد ، ولا لبسوا ثياب الحزن ، ولحق الناس بهتة ، ونعقوا في الحلقة في ذلك النهار باتفاق الجواد ، وسيف الدين بن قليج ، والخدام ، وعز الدين أيبك ، وعماد الدين بن الشيخ ، وسنذكر القصة ، وبلغ من عدله أن بعض الركبدارية استغاث إليه يوما وقال : إن أستاذي استخدمني ستة أشهر بغير جامكية ، فأحضر أستاذه ، وأنزله عن فرسه وخلعه ثيابه ، وألبسها للركبدار ، وأركبه الفرس ، وألبس الجندي ثياب الركبدار ، وقال للجندي : احمل مداسه واخدمه ستة أشهر كما خدمك.
وكان إذا سافر لا يتجاسر أحد أن يأخذ من فلاح علاقة تبن ، ولا دجاجة ، وإن دعت إلى ذلك الحاجة.
ولقد بلغني أنه شنق جماعة من الأجناد على آمد على علاقة من شعير ، هذب به المأمور ، والأمير وكانت الطرق في أيامه آمنة بحيث يسير الراكب وحده ، ولا يحتاج إلى حمل عدة ، وكان الأشرف قد توفي أول هذه السنة ، واستولى الصالح إسماعيل على دمشق ، وجاء الكامل فحصره ، وكان خالي محيي الدين بدمشق ، فدخل بينهما في الصلح ، وأعطاه الكامل بعلبك مضافة إلى بصرى بعد أن حوصرت دمشق حصارا شديدا ، وقتل عليها جماعة ، وزحف الناصر داود بعسكره من باب توما ، وتعلقوا بالنقوب ، ولم يبق إلا أخذها ، فأرسل الكامل فخر الدين ابن شيخ الشيوخ إليه ، فرحله إلى أرض برزة ، وكان الصالح قد أرسل للكامل يقول : قد بلغني أنك تعطيها الناصر ، وأنت أحق ،