فصل
وفيها توفي أتابك شهاب الدين طغريل مملوك الملك الظاهر ، صاحب حلب ، وعتيقه ، وكان صالحا عفيفا ، زاهدا عابدا ، صحبني مدة ، وأنزلني في الخانكاه الني بناها بظاهر حلب على باب الأربعين عند القناة ، وكان دائما يبيت عندي أول قدومي الشام في سنة ستمائة إلى سنة ست وستمائة ، وكان كثير الصدقات والإحسان يقسم الليل أثلاثا : الثلث الأول يجري فيه حكايات الصالحين وأحوال الناس ، ومحاسنهم ، وينام الثلث الأوسط ، ويحيي الثلث الأخير قراءة وصلاة وبكاء ، وكان واسطة خير عند الظاهر ، ويحب الصالحين ويزورهم ، ولما توفى الظاهر قام بأمر ولده العزيز أحسن قيام ، واستمال الأشرف يحفظ عليه البلاد ، ويدفع الأعادي ، والحساد ، ولما استعاد الأشرف تل باشر ، دفعها إلى الخادم ، وقال : تكون هذه برسم صدقاتك وما يمونك من المغارم ، فإنك تكره أن تتصرف في أموال الصغير فنقل من الأموال والذخائر كل نفيس خطير ، وكان قد طهر حلب من الفسق والفجور ، والمكوس والخمور ، وكان الملك الأشرف يقول لي : إن كان لله تعالى في الأرض ولي ، فهو هذا الخادم الذي فعل ما عجز عنه الفحول ، فلما ترعرع الملك العزيز بن الظاهر في سنة تسع وعشرين وستمائة ، تحدث عليه أقوام أرادوا قصد أذى أتابك ، وقالوا : رضيت لنفسك أن تكون تحت حجر هذا الخادم ، فأخذ منه تل باشر ، وأزال الحجر ، والتحق بالأكابر ، وأقام أتابك لا ينفذ له أمر فمرض ، وتوفي في هذه السنة ، ودفن بباب الأربعين على الجادة ....
فصل
وفيها توفي الركن الفلكي ، واسمه منكورس ، فلك الدين ، أخي العادل لأمه ، وكان من كبار الأمراء ، ولاه العادل بصرى والشام نيابة عنه ، وكان دينا صالحا عفيفا عادلا ، منصفا ، قليل الكلام ، كثير الصدقات والخيرات ، ملازما لجامع دمشق لخمس صلوات ، وكان يخرج