سيدي ، سيدي ، فما تكلم فحركته فإذا به ميت ، وقد فرغوا من الصخرة ، وعملوا فيها ساعة ، وهو ميت ، وارتفع الصياح ، وكان صاحب بعلبك في الصيد ، فأرسلوا وراءه فجاء فرآه على تلك الحال ، لا وقع ولا وقعت السبحة من يده ، وهو كأنه نائم ، فقال : دعونا نبني عليه بنيانا ، وهو على حاله ليكون أعجوبة الدنيا أن الانسان يموت وهو قاعد ، ولا يتغير فقالوا : إتباع السنة أولى ، وطلع داود فغسله ، ودفع الثوبين إلى المرأتين ، ولما ألحدوه قال له الحفار : يا شيخ عبد الله اذكر ما عاهدتنا عليه ففتح عينيه ، ونظر إليه شزرا ، ودفن عند اللوزة يوم السبت في العشر الأول من ذي الحجة ، وقد جاوز ثمانين سنة رحمهالله ، ونفعنا ببركته.
اقتصرنا على هذه اللمعة من فضائل الشيخ عبد الله وصفاته ، وأحواله وكراماته ، وكان يستوحش من الناس لما حصل له من الانسان ، فتارة يكون بجبل لبنان هاجرا للأوطان وتارة بالغسولة وبثنية العقاب يفر من الأسباب ، وتارة بضمير يستنشق روائح الغوير .....
السنة الثامنة عشرة وستمائة
وفيها توجه الملك المعظم إلى أخيه الأشرف ، واجتمعا على حران ، وكتب صاحب ماردين ناصر الدين إلى الأشرف يسأله أن يصعد المعظم إليه ، فسأله فسار إلى ماردين ، ونزل صاحب ماردين ، والتقاه من دنيسر وأصعده إلى القلعة ، وخدمه خدمة عظيمة ، وقدم له التحف والجواهر ، وتحالفا واتفقا على ما أرادا ، وزوج المعظم احدى بناته ، وزوج ناصر الدين ابنه بنته الأخرى ، وخلع على الجميع وأعطاهم الأموال ، ورجع المعظم إلى حران ، ووصلت الأخبار بوصول التتر إلى كرمان شاهان قريبا من بغداد ، وانزعج الخليفة ، وأمر الناس بالقنوت في الصلاة ، وحصن بغداد واستخدم العساكر.
وفي جمادى الآخرة فتحت دمياط.