ولقد فعل العادل في غلاء مصر عقيب موت العزيز ما لم يفعله غيره ، كان يخرج بالليل بنفسه ومعه الأموال يفرقها في أرباب البيوت والمساكين ، ولولاه لمات الناس كلهم ، وكفن في يوم من ماله ثلاثمائة ألف من الغرباء ، وكان إذا مرض أو تشوش مزاجه خلع ما عليه وباعه حتى فرسه ، وتصدق به ، وثبت له على زكي الدين القاضي قاضي دمشق لبيت المال عشرون ألف دينار ، وشرع القاضي يستدينها من الناس فقالت له بعض حظاياه : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام ، وهو يوصيك بالقاضي فاستقيلها عنه ، ورده إلى القضاء ، وقد ذكرنا مواقفه مع أخيه ، وغزواته ، وتدبيره مع الانكلتار ، ولولاه ما انتظم الصلح.
ذكر وفاته
قد ذكرنا وصول شيخ الشيوخ بخبر برج دمياط ، وأنه انزعج ودق بيده على صدره ، وأقام مريضا إلى يوم الجمعة سابع أو ثامن جمادى الآخرة فتوفى في عالقين وكان المعظم قد كسر الفرنج على القيمون يوم الخميس خامس جمادى الآخرة ، وقيل يوم الأربعاء ، ولما توفي العادل لم يعلم بموته غير كريم الدين الخلاطي ، فأرسل الطير إلى نابلس إلى المعظم ، فجاء المعظم يوم السبت إلى عالقين فاحتاط على الخزائن ، وصبر العادل ، وجعله في محفة ، وعنده خادم يروح عليه ، وقد رفع طرف سجافها وأظهروا أنه مريض ، ودخلوا به دمشق يوم الأحد ، والناس يسلمون على الخادم وهو يومي إلى ناحية العادل ، ودخلوا به القلعة وكتموا موته ، ومن العجائب أنهم طلبوا له كفنا فلم يقدروا عليه ، وأخذوا عمامة الفقيه ابن فارس فكفنوه بها ، وأخرجوا قطنا من مخدة فلفوه به ، ولم يقدروا على فأس فسرق كريم الدين فأسا من الخندق ، فحفروا له به في القلعة.
وكنت قاعدا إلى جانب المعظم عند باب الدار التي فيها الإيوان ، وهو