فصل
وفيها وصل الفرنج إلى جزين قرية قريبة من شعراء [بانياس] لما عادوا عن الطور ، فقصد ابن أخت الهنكر صيدا ، وقال : لابد لي من أهل هذا الجبل ، فنهاه صاحب صيدا وقال هؤلاء رعاة وبلادهم وعر ، فلم يقبل ، وصعد خمسمائة من أبطال الفرنج إلى جزين ضيعة الميارنة ، فأخلاها أهلها ، وجاء الفرنج فنزلوا بها وترجلوا عن خيولهم ليستريحوا فتحدرت عليهم الميارنة من الجبل ، فأخذوا خيولهم ، وقتلوا عامتهم ، وأسروا ابن أخت الهنكر ، وهرب من بقى منهم إلى صيدا ، وكان معهم رجل يقال له الجاموس من المسلمين قد أسروه ، فقال لهم : أنا أعرف إلى صيدا طريقا سهلا أوصلكم إليها ، فقالوا : إن فعلت أغنيناك ، فسلك بهم أودية وعرة والمسلمون خلفهم يقتلون ويأسرون ، ففهموا أن الجاموس غرهم فقتلوه ، ولم يفلت إلى صيدا سوى ثلاثة أنفس بعد أن كانوا خمسمائة ، وجاؤوا إلى دمشق بالأسارى ، وكان يوما عظيما.
فصل
....... وفيها توفى الأمير بدر الدين محمد أبي القاسم أبو عبد الله الهكاري الذي استشهد على الطور ، أبلى في ذلك اليوم بلاء حسنا ، وكان من المجاهدين له المواقف المشهودة في قتال الفرنج ، وكان من أكابر أمراء المعظم ، يستشيره ويصدر عن رأيه ، ويثق به لصلاحه ودينه ، وكان سمحا لطيفا ، دينا ، ورعا ، بارا بأهله ، وبالفقراء ، والمساكين ، كثير الصدقات دائم الصلاة ، بنى بالقدس مدرسة للشافعية ، ووقف عليها الأوقاف ، وبنى مسجدا قريبا من الخليل عليهالسلام عند يونس على قارعة الطريق ، وكان ملازما لمجالسي بالقدس ، وكان يتمنى الشهادة دائما ويقول : ما أحسن وقع سيوف الكفار على وجهي وأنفي ، فاستجاب الله دعاءه ورزقه الشهادة ، ونقل من الطور إلى القدس فدفن بتربته رحمهالله.