دعوتك إلى مشاهدتي تقديرا أن تستحي مني فأبيت ، وقد عفوت الآن عن ذلك ، وعدت إلى أفضل ما تحب أن تطيب نفسك به ، وساصطنع لك اصطناعا يسير ذكره ، وأفعل معك فعلا أزيد على أملك وأمنيتك فيه ، فبكى ألفتكين بين يديه ، وقال : قد تفضلت يا أمير المؤمنين عليّ تفضلا ما استحققته ولا قدرته ، وأرجو أن يوفقني الله بخدمتك ومقابلة نعمتك ، وأنس ألفتكين بعد ذلك وخاطب فيمن بقي من أصحابه حتى أوجب لهم الأرزاق الواسعة والتقريرات المتتابعة ، ونزلوا على مقاديرهم ، ورتبهم في مواضعه ، واستحجبه العزيز ، وجعله من أخص خاصته وأقرب صاحب من خدمة حضرته.
وكان العزيز قد أنفذ النجب بالرسل والكتب تابعة للحسن بن أحمد القرمطي ، فلحقوه بطبرية ، وأعادوا عليه الرسائل بالصفح عما جرى منه والدعاء إلى وطء البساط ليصطنعه ، والتماس ما يريده ليبلغه له ، ويرجع إلى بلاده فأقام على أمره ، وترددت المراسلات إليه ومنه ، والوسيط جوهر إلى أن تقرر الأمر على ثلاثين ألف دينار له ولأصحابه ، تحمل إليه في كل سنة ، ويكونوا على الطاعة والموادعة ، وحمل إليه مال سنة وأضيف إليه ثياب كثيرة وخيل بمراكب ، وتوجه إليه جوهر وقاضي الرملة ، فاستحلفاه للعزيز على الوفاء والمصالحة ، وأخذا له المواثيق المشدودة المؤكدة ، وأعطياه المال والخلع والحملان وانصرف إلى الاحساء (١) ، وعاد العزيز إلى مصر وألفتكين حاجبه ، ولم يزل المال المقرر للقرمطي يحمل إليه في كل سنة على يد أبي المنجا صاحبه إلى أن مات.
ووصل العزيز إلى مصر والقاهرة ، فدخلها ونزل في قصره وأنزل ألفتكين في دار حسنة بعد أن فرشت بالفروش الكثير ، وركب وجوه
__________________
(١) ذكر المقريزي في اتعاظ الحنفا ١ / ٢٤٩ «أن العزيز لما سار من الرملة بألبتكين إلى مصر جعل بلد فلسطين لمفرج بن دغفل بن الجراح» أمير قبائل طيء ، ولا شك أنه استهدف من وراء ذلك أن تقوم طيء حليفة القرامطة فيما مضى بالدفاع عن فلسطين وبالتالي حماية حدود مصر من القرامطة ، لكن هذه القبائل نشطت ضد الفاطميين لتحقيق مطامح خاصة بها.