وبكى لأنه صاحبه ومصافيه وشاكره وداعيه ، وحزن المسلمون عليه لمكان عفته وشبابه وغربته.
وقال العماد : اتينا مظفر الدين نعزيه ظنا منا أنه قد حزن عليه حزن الأخ على أخيه ، فكأننا جئنا نهنئه ، وإذا به مشغول عن العزاء بحيازة أمواله وأسبابه ، والقبض على عماله وكتابه ، ثم أرسل مظفر الدين إلى السلطان يطلب منه إربل وينزل عن حران والرها ، فأجابه إلى ذلك ، وسأله كتابا إلى صاحب إربل في هذا المعنى ، والله تعالى أعلم.
السنة السابعة والثمانون وخمسمائة
وفيها استيلاء الفرنج على عكا ، اشتد عليها الحصار في جمادى الآخرة ، وطم الفرنج الخنادق ، ونصبوا المناجيق والدبابات والسلالم ، ومل المسلمون من السهر والتعب والقتال وكثرت فيهم الجراح ، وكان الفرنج قد صنعوا تلا من تراب يقدمونه يسيرا يسيرا ويقاتلون من ورائه ، لأن المسلمين أحرقوا أبراجهم ومناجيقهم ودباباتهم ، فعملوا هذا التل وشرفوه ، فصار للمقاتلة مثل الحائط ، وجاء كتاب أهل عكا إلى السلطان يقولون قد عجزنا وما بقي إلا طلب الأمان والتسليم ، فلم يرد على السلطان خبر أشد من ذلك ، لأنه كان قد نقل إلى عكا جميع سلاح الساحل والقدس ودمشق وحلب ومصر ، فقال : إني هاجم على القوم من البر ويخرج المسلمون من البلد ، فقالوا : ما هذا مصلحة فقد نرى ما بين أيدينا من الخنادق والرجالة كالسور ، وبعدهم الخيالة ، وهم أضعاف عددنا ، ولم يوافقوه ، ولما كان يوم الجمعة سابع عشر رجب ، والسلطان قد ركب والعساكر بأسرها ، وإذا بأعلام الفرنج قد ظهرت على عكا وقت الظهر ، وصاح الفرنج صيحة عظيمة ، وطلع علم على القلعة وآخر على مأذنة الجامع ، وملأوا الأبراج بالأعلام ، ودخلوا عكا وأسروا من كان بها ، واستولوا على جميع ما كان فيها ، وكانوا قبل ذلك قرروا على أهلها مائتي ألف دينار ، وألفي أسير ، وصليب الصلبوت ، ويخرج