فأصبحوا قد هووا في الهاوية (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(١) وأصبحت البلاد إلى الاسلام ضاحكة ، كما كانت بالكفر باكية ففي يوم الخميس الأول فتحت طبرية ، والجمعة والسبت كانت الكسرة التي ما أبقت منهم بقية لا يقوم لهم بعدها قائمة ، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ)(٢).
وفي يوم الخميس سلخ الشهر فتحت عكة بالأمان ، ورفعت بها أعلام الايمان وهي أم البلاد ، وأخت إرم ذات العماد ، وصليب الصلبوت عندنا مأسور ، وقلب الكفر الأسير بخشبة المكسور مكسور ، وأنصار الصليب وأعوانه قد أحاطت به يد القبضة ، وعلق رهنه ، فلا يقبل فيه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وطبرية قد رفعت أعلام الاسلام عليها ، وهو خير يوميها ، وصارت البيع مساجد يعمرها من يؤمن بالله واليوم الآخر ، وصارت المذابح مواقف لخطباء المنابر ، وعد الحصون التي فتحت.
وقال في آخر الكتاب ـ وما يتأخر النهوض إلى البيت المقدس ، وهذا أوان فتحه ، وقد دام عليه ظلام الضلال ، وقد آن أن يسفر الهدى عن صحة السلام.
ذكر ما فتح السلطان في هذه السنة
من بلاد الفرنج وطبرية وعكا
لما فتح عكا راح إلى تبنين ، وتسلمها وتسلم صيدا وبيروت وجبيل وغيرها والداروم والرملة ويبنا وبيت جبرين والخليل وعسقلان ، فكان بين أخذ الفرنج وبين خلاصها خمس وثلاثون سنة ، لأنهم ملكوها في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وفوض السلطان القضاء والخطابة إلى جمال الدين عبد الله بن عمر قاضي اليمن ، وتسلم السلطان
__________________
(١) سورة الحاقة ـ الآية : ٧.
(٢) سورة هود ـ الآية : ١٠٢.