الخزانة ، وما يفرض على إقطاع المقدمين من الأجناد ، فحين شاورهم في ذلك أنكروه ، ونفروا منه ، وعزموا على عزله والاستبدال به من يرتضون به واختاروا مقدما يعرف بالأمير ... (١) مشهورا بالشهامة والبسالة وحسن السياسة ، وارتضى لتولية الأسطول المصري مقدما من البحرية شديد البأس ، بصيرا بأشغال البحر ، فاختار جماعة من رجال البحر يتكلمون بلسان الأفرنج ، وألبسهم لباس الأفرنج ، وأنهضهم في عدة من المراكب الأسطولية ، وأقلع في البحر لكشف الأماكن والمكامن والمسالك المعروفة بمراكب الروم ، وتعرف أحوالها ، ثم قصد ميناء صور ، وقد ذكر له أن فيه شختورة رومية كبيرة ، فيها رجال ، ومال كبير وافر ، فهجم عليها وملكها ، وقتل من فيها ، واستولى على ما حوته ، وأقام ثلاثة أيام ثم أحرقها ، وعاد عنها في البحر ، فظفر بمراكب حجاج أفرنج ، فقتل وأسر وانتهب ، وعاد منكفئا إلى مصر بالغنائم والأسرى.
وفي الشهر المذكور ، ورد الخبر من ناحية حلب ، بوقوع الخلف بين أولاد الملك مسعود بعد وفاته ، وبين أولاد قتلمش ، وبين أولاد قلج أرسلان ، وأن الملك العادل نور الدين صاحب دمشق وحلب دخل بينهم للصلح والإصلاح ، والتحذير من الخلف المقوي للأعداء من الروم والأفرنج ، وطمعهم في المعاقل الإسلامية ، وبالغ في ذلك بأحسن توسط ، وبذل التحف والملاطفات ، وصلحت بينهم الأحوال.
وتناصرت الأخبار في هذا الأوان من ناحية العراق بأن الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين ، قد اشتدت شوكته ، وظهر واستظهر على كل مخالف له وعادل عن حكمه ، ولم يبق له مخالف مشاقق ولا عدو منافق ، وأنه مجمع على قصد (١٧٩ ظ) الجهات المخالفة لأمره.
وفي يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة سنة خمسين وخمسمائة عاد
__________________
(١) فراغ بالأصل ، وقد أتى المقريزي على ذكر هذا الخبر دون أن يذكر اسم هذا الأمير أو المقدم ولربما كان هو الأمير الأوحد بن تميم. انظر اتعاظ الحنفا : ٣ / ٢٢٤.