قد مضى من ذكر الرئيس المسيب في حصوله بصرخد ، وتقرر بعد ذلك تطييب نفس مجاهد الدين ، والحلف له على إزالة ما خامره من الاستيحاش والنفار ما سكن إليه ، واعتمد عليه ، وعاد إلى داره بدمشق أواخر شعبان وصام رمضان فيها ، ثم هجس في خاطره من مجير الدين وخواصه ما أوحشه منهم ، ودعاه ذلك إلى الخروج من البلد سرا في يوم الثلاثاء الثاني عشر من شوال طالبا صرخد ، فحين عرف خبره ، نهض في طلبه وقص أثره جماعة من الخيل ، فأدركوه وقد قرب من صرخد ، فقبض عليه ، وأعيد إلى القلعة بدمشق واعتقل بها اعتقالا جميلا.
وحدث في هذه الأيام من تتابع الأمطار في الأماكن والثلوج في الجبال والأعمال البقاعية ، ما لم ير مثله ، ثم ذاب الثلج ، وسالت بمائه الأودية والشعاب ، وساح على الأرض كالسيل الجارف ، وامتلأت به الأنهار ، والتقت الشطط ، وأفسد ما مر به من الأراضي المنخفضة ، ووصل المد إلى بردى ، وما قرب منها ، ورؤي من كثرته وعظمه وتغير لونه ما كثر التعجب منه ، والاستعظام له ، فسبحان مالك الملك ، منزل الغيث من بعد القنوط ، إنه على كل شيء قدير.
ثم تجدد عقيب ذلك من الرئيس الوزير حيدرة المقدم ذكره أشياء ظهرت عنه ، مع ما في نفس الملك مجير الدين منه ، ومن أخيه المسيب ، والمعرفة بالسعي والفساد ما اقتضت الحال استدعاءه إلى القلعة ، على حين غفلة منه ، وعن القضاء النازل به ، لسوء أفعاله ، وقبح ظلمه وخبثه ، ثم عدلت به الجندراية إلى الحمام بالقلعة ، في يوم الأحد مستهل ذي القعدة من السنة ، وضربت عنقه صبرا ، وأخرج رأسه ونصب على حافة الخندق ، ثم طيف به والناس يلعنونه ويصفون أنواع ظلمه وتفننه في الأدعية والفساد ، ومقاسمة اللصوص ، وقطاع الطريق على أموال الناس المستباحة بتقريره ، وحمايته ، وكثر السرور بمصرعه ، وابتهج بالراحة منه ، ثم رجعت العامة والغوغاء ، ومن كان من أعوانه على الفساد من أهل العيث