فقام رجل من كبار
الفقهاء ، وقال : نقيم ما أقمنا بالمهدية ، ويجيء إليكم رجل بربري مصمودي ، يأمركم
بالعبادة بالفكرة فتجيبون إلى ما أمركم به ، وتسارعون إلى قبول ما ذكره لكم؟ وأنكر
هذا الأمر إنكارا شديدا ، حتى عادوا عنه ، وأبطلوه ، واقتضت هذه الحال خروج
الخارجي من المهدية ، إذ لم يتم له فيها أمر ، ولا بلغ غرضا ، وقصد بلدا في الغرب
يعرف ببجاية في أيدي بني حماد من صنهاجة ، وشرع في الإنكار على أهله
شرب الخمور ، وجعل يكسر الأواني إلى أن منع من شربها ، وساعده على ذلك ابن حماد مقدم هذا البلد وحمل إليه مالا ، فامتنع من أخذه ، وتعفف
عنه لما أظهره من الزهد في الدنيا ، والتفقه والورع ، ثم خرج من هذا البلد وقصد
مدينة أغمات ، فأظهر فيها الزهد وتدريس الفقه ، وصار معه من أتباعه تقدير أربعمائة
رجل من المصامدة ، ثم ارتفع أمره ، وظهر شره ، واتصل خبره إلى الأمير ابن يوسف بن
تاشفين وما هو عليه وما يظهره ويطلقه من إباحة دمه ودم أصحابه ،
وأهل مملكته ، فاستدعاه الأمير المذكور إلى حضرته ، وجمع له وجوه الفقهاء
والمقدمين ، إلى مجلس حفل ووقع الاختيار من الجماعة على فقيه يعرف بأبي عبد الله
محمد بن مالك بن وهيب الأندلسي ، لمناظرته فناظره في هذا المحفل ، فاستظهر عليه في
المناظرة ، وقهره وغلبه ، فقال الخارجي السوسي المناظر له : انظرني ، فأجابه إلى
ما طلب ، ثم قال لابن يوسف بن
__________________