الدماء ، وأساء السيرة ، وارتكب المحذورات ، واستحسن القبائح من المحظورات ، فابتهج الخاص والعام بالحادث فيه ، والراحة منه في يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، وعمره أربع وثلاثون سنة ، ومولده بالقاهرة سنة تسعين وأربعمائة ، وأيام دولته أربع وعشرون سنة ، ونقش خاتمه «الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين» (١) ، وقام بعده ابن عمه أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم بن الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين ، وأخذت له البيعة على الرسم (١٢٥ ظ) فيها ، ونعت بالحافظ لدين الله ، أمير المؤمنين ، فاستقام له الأمر ، واستتب برأيه التدبير (٢) وقلد الأمر أبا علي ، أحمد بن الأفضل أمير الجيوش ، وزارة الدولة ، وتدبير المملكة ، فساس الكافة أعدل سياسة ، ودبر الأعمال أجمل تدبير ، وجرى على منهاج أبيه الأفضل ، رحمهالله في حب العدل وإيثاره ، واجتواء (٣) الجور وإخماد ناره ، وأعاد على التناء والتجار ما اغتصب من أموالهم ، وقبض من أملاكهم ، وأمن البر التقي ، وأخاف المفسد الشقي ، وبالغ في ذلك مبالغة أحرز بها شكر القريب والبعيد ، وحاز بها أجر الموفق السعيد.
ولم يزل على المذهب الحميد مواظبا ، ولهذا المنهاج السديد مداوما إلى أن نجم له من مقدمي الدولة ، حسدة حسدوه على ما ألهمه الله من أفعال الخيرات ، واقتناء الصالحات ، تجمعوا على إفساد أحواله ، ولفقوا
__________________
(١) وصف المقريزي بشكل أوفى عملية اغتيال الآمر ، واتهم بها جماعة الحشيشية ، وقد اختير عبد المجيد خليفة وليس إماما ، فقد كلف بكفالة الإمام الحقيقي ابن الآمر وولي عهده ، ففي رواية أنه ولد للآمر قبل مقتله بأشهر غلام ذكر سماه «الطيب» وأعلنه وليا لعهده ، وفي رواية ثانية أنه قال : «قبل وفاته بأسبوع عن نفسه : المسكين المقتول بالسكين ، وأشار إلى أن إحدى جواريه «حامل منه ، وأنه رأى رؤيا تدل أنها ستلد ولدا ذكرا ، وهو الخليفة من بعده ، وأن كفالته للأمير عبد المجيد أبي الميمون ، فجلس المذكور كفيلا ونعت بالحافظ لدين الله». اتعاظ الحنفا : ٣ / ١٢٨ ـ ١٣٧.
(٢) كذا ، وذكر المقريزي في اتعاظ الحنفا : ٣ / ١٤٠ ، أن الوزير أحمد بن الأفضل «أحاط بالحافظ وسجنه في خزانة فيما بين الإيوان وباب العيد».
(٣) اجتوى الشيء كرهه ـ النهاية لابن الأثير.