والأمانة معروفا بالصيانة والديانة ، ولم يقم من الشهود بعده مثله ، في الذكاء والأمانة والغناء.
لما خلا ديوان الوزارة بدمشق ، بعد قتل أبي طاهر المزدقاني الوزير من عارف ينظم حساباته ، ويسدد أمور معاملاته ، وارتاد تاج الملوك كافيا يرد الأمر في ذلك (١٢٤ و) إليه ، ويعتمد فيه عليه ، ويسكن إلى نهضته في تهذيب أحواله ، وترتيب أعماله ، وحفظ أبواب ماله ، فلم يتسهل له بلوغ المقصود ، ولا تيسر لارتياده نيل الغرض المنشود ، فوقع تعويله على الرئيس الوجيه ثقة الملك أبي الذواد المفرج بن الحسن الصوفي ، رئيس دمشق ، فرد الأمر في ذلك إليه ، وقلده منصب الوزارة ، واعتمد فيه عليه ، ووجده أكفى من وقعت إليه الإشارة من كتابه ومتصرفيه ، وإن كان ضعيف الصناعة في الكتابة ، خفيف البضاعة من البلاغة ، فإن رأيه سديد ، ومذهبه في التنزه والأمانة حميد ، وله معرفة بسياسة المعاملين في المعاملات ، ويد في الحل ، والضبط في استدعاء الحسبانات ، وحفظ الإخراجات ، ولم يجد له محيدا عنه ، ولا بدلا منه ، فقلده هذا المنصب ، واثقا بحسن سفارته ، ومرضي مؤازرته ، وخلع عليه ، وزاد في إحسانه إليه ، وأجلسه مجلسه من الديوان ، تأكيدا لأمره ، ورفعا لقدره ، فأحسن السياسة ، وسدد أحوال الرئاسة ، واستعمل العدل في أعماله والإنصاف لمعاملته ، وعماله ، ونظر في الأعمال ، واعتمد على الكفاة الثقات من العمال ، وجرت الأحوال في ذلك على السداد ، واطردت على الاستقامة أحسن إطراد.
(و) في هذه السنة ورد الخبر بوصول الأمير عماد الدين أتابك زنكي ابن أق سنقر ، صاحب الموصل إلى حلب في عسكره ، عازما على الجهاد ، وأرسل تاج الملوك بوري بن ظهير الدين أتابك ، يلتمس منه المعونة ، والإسعاد على محاربة الأفرنج الأضداد ، وترددت الرسل بينهما في ذلك إلى أن أجاب إلى المراد ، وأنفذ إليه من استحلفه على المصافاة والوداد ، وتوثق منه على الوفاء وجميل الاعتقاد ، وأكد الأمر في هذه الحالة تأكيدا ،