سفك الدماء المحرمة ، وإفاظة النفوس المحظورة ، وجهلا بما حذر الله تعالى من يقصد ذاك ، ويقدم عليه بقوله عزوجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)(١) ، فخدعه إلى أن حصل في يده ، فاعتقله وقتله صبرا ، فتألم لقتل مثله ، على هذه ، مع حداثة سنه وشهامته وحسن صورته ، وأعلنوا بلعن قاتله في المحافل والمشاهد ، وذمه من كل غائب ومشاهد ، فحملت أخاه الضحاك بن جندل ، وجماعته وأسرته الحمية الإسلامية ، والحرقة الأهلية على الطلب بدمه ، والأخذ بثأره ، فتجمعوا وتعاهدوا ، وتحالفوا على المصابرة على لقاء أعدائهم ، والإيغال في الطلب لدمائهم ، وبذل المهج والنفوس (١٢١ ظ) في إدراك ثأرهم ، وشرعوا في التأهب لهذه الحال صابرين ، وللفرصة متوقعين إلى أن ساق بهرام ولفيفه الحين المتاح ، وقضى الله عليهم بالاصطلام والاجتياح ، فتجمعوا من كل ناحية ، وتهافتوا من كل صوب وجهة ، وظهر بهم من بانياس في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وقصد ناحية وادي التيم ، للإيقاع بالمذكورين ، وكانوا مستعدين للقائه ، مترقبين لحربه ، فلما أحسوا بقربه منهم ، نهضوا بأجمعهم إليه نهوض الليوث من غابها للمحاماة على أشبالها ، وطاروا نحوهم مطار صقور الجبال إلى يعاقيبها وأحجالها ، فحين دنوا من حزبه المفلول وحشده المخذول ، هجموا عليهم وهم في مخيمهم غارون ، وبهم مغترون ، وصاح صائحهم ، وهم غافلون ، وبما نزل بهم من البلاء ذاهلون ، وإلى أن يتمكن فارسهم من امتطاء جواده ، وراجلهم من تناول عدته وعتاده ، أتى القتل على أكثرهم ضربا بالسيوف ووجيا بخناجر الحتوف ، ورشقا بسهام البلاء ، ورجما بأحجار الأقدار والقضاء.
وكان بهرام في خيمته ، وحوله جماعة من شركائه في جهله وضلالته ، غافلا عما أحاط به وبطائفته ، وقد وثبوا عند سماع الضوضاء ، والصياح
__________________
(١) القرآن الكريم ـ النساء : ٩٣.