المطلع على سره
وجهره ، وتراسله وتعده وتمنيه ، وتطمعه في منصبه ، فإنه يجيب إلى ذلك ، ويعين عليه
(١١٢ ظ) لأمرين أحدهما دينا ، لأن مذهبه مذهبنا واعتقاده موالاتنا ومحبتنا ،
والثاني للدنيا وحبها ، وكونه يصير في منصبه فيها ، ويدبر الأمر عليه بمن لا يعرف
ولا يؤبه به ، ولا يلتفت إليه ، ممن يغتاله إذا ركب ، فإذا ظفرنا بمن قتله قتلناه
، وأظهرنا الطلب بدمه والحزن عليه ، والأسف لفقده فيكون عذرنا عند كافة الرعية
مبسوطا ، ويزول عنا قبح القالة ، وسوء السمعة.
فاستقر الأمر على
هذه القضية ، وشرع في إتمامه ، والحال فيه ظاهرة ، وقضى الله عليه قضاءه المحتوم ،
وسر بمقتله سرورا غير مستور عن كافة الخاص بمصر والقاهرة ، وقيل إن الموضع الذي
قتل فيه بمصر عند كرسي الجسر ، في رأس السويقتين ، في يوم الأحد سلخ شهر رمضان سنة خمس
وخمسمائة وعمره إذ ذاك سبع وخمسون سنة ، لأن مولده كان بعكا سنة ثمان وخمسين
وأربعمائة ، وكان حسن الاعتقاد في مذهب السنة ، جميل السيرة مؤثرا للعدل في
العسكرية والرعية ، صائب الرأي والتدبير ، عالي الهمة ، ماضي العزمة ، ثاقب
المعرفة ، صافي الحس ، كريم النفس ، صادق الحدس ، عادلا عن الجور ، حائدا عن مذاهب
الظلم ، فبكته العيون ، وحزنت له القلوب ، ولم يأت الزمان بعده بمثله ، ولا حمد
التدبير عند فقده ، وانتقل الأمر بعده إلى صاحبه الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين
، واشتمل على خزائنه وأمواله وذخائره وكراعه وأثاثه ، وهو الغاية في الكثرة
والوفور ، وانتظمت للآمر الأمور على المأثور ، وأقام أبا عبد الله بن البطائحي ،
ووفى له بوعده ، ولقبه بالمأمون ، وبسط يده في البرم والنقض والرفع والخفض.
__________________