المطوعة والسوقة هذا الحصن ونقبوه ، فأنفذ جوسلين صاحب تل باشر إلى الأمير أحمديل الكردي يلاطفه بمال وهدية ، ويبذل له الكون معه ، والميل إليه ، وكان أكثر العسكر مع أحمديل ، وسأله الرحيل عن الحصن وينزل إليه ، فأجابه إلى ذلك ، على كراهية من باقي الأمراء ، واشتد مرض سكمان القطبي ، وعزم أحمديل على العود طمعا منه في أن السلطان يقطعه بلاد سكمان ، وكان قد عقد بينهما وصلة وصهر ، فعادوا عن تل باشر إلى حلب ، ونزلوا عليها ، وعاثوا في أعمالها وفعلوا أقبح من فعل الأفرنج في الفساد ، وتوقعوا خروج (٩٦ و) الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب إليهم ، أو خدمة ينفذها لهم ، فلم يلتفت إلى أحد منهم ، وأغلق أبواب حلب ، وأخذ رهائن أهلها إلى القلعة ، ورتب الجند وأحداث الباطنية والطائعين لحفظ الأسوار ، ومنع الحلبيين من الصعود إلى السور ، وأطلق الحرامية في أخذ من يظفرون به من أطراف العسكر (١).
وقد كان ظهير الدين أتابك عند اجتماع هؤلاء الأمراء ، وعبورهم الفرات قد كاتبوه بالوصول إليهم ، ورد التدبير فيما يعتمدونه عليه إليه ، ووصل إليه كتاب السلطان بمثل هذه الحال ، فاقتضت الصورة ، وصائب الرأي أن ينهض في العسكر نحوهم للاعتضاد على الجهاد ، وتقوية النفوس على حماية هذه البلاد من أهل الشرك والإلحاد ، وجمع من أمكنة من رجال حمص وحماة ورفنية وسائر المعاقل الشامية ، وسار إليهم ووصلهم على ظاهر حلب ، فتلقوه بالإكرام والمزيد من الاحترام ، وقويت بوصوله النفوس ، واشتدت الظهور ، وسروا بحصوله عندهم سرورا ، ظهر منهم وشاع منهم ، فلم ير منهم عزيمة صادقة في جهاد ، ولا حماية بلاد.
وأما سكمان القطبي فإن المرض اشتد به ، وأشفي منه ففصل عنهم
__________________
(١) انظر تفاصيل خبر هذا وآثاره في ترجمة رضوان في بغية الطلب لابن العديم. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٩٢ ـ ٢٩٤.