من السنة ، وأسندوا أبراجهم إلى السور ، فلما شاهد الجند والمقاتلة وأهل البلد سقط في أيديهم ، وأيقنوا بالهلاك وذلت نفوسهم لا سيما مع اليأس من تأخر وصول الاسطول المصري في البحر بالميرة والنجدة ، وقد كانت علة الأسطول أزيحت ، وسير والريح ترده ، لما يريد الله تعالى من نفاذ الأمر المقضي ، فشد الأفرنج القتال عليها وهجموها من الأبراج ، فملوكها بالسيف في يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من السنة ، ونهبوا ما فيها ، وأسروا رجالها ، وسبوا نساءها وأطفالها ، وحصل في أيديهم من أمتعتها وذخائرها ودفاتر دار علمها ، وما كان منها في خزائن أربابها ما لا يحد عدده ، ولا يحصر فيذكر ، وسلم الوالي بها وجماعة من جنده ، كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها ، فلما ملكت أطلقوا ، ووصلوا إلى دمشق بعد أيام من فتحها ، وعوقب أهلها واستصفيت أموالها ، واستثيرت ذخائرهم من مكامنها ، ونزل بهم أشد البلاء ، ومؤلم العذاب (١).
وتقرر بين الأفرنج والجنويين على أن يكون للجنويين الثلث من البلد ، وما نهب منه ، والثلثان لريمند بن صنجيل ، وأفردوا للملك بغدوين من الوسط ما رضي به ، وكان طنكري لما لم ينل ما أراد من نصرة السرداني ، قد عاد ونزل على بانياس وافتتحها وأمن أهلها في شوال من السنة ، ونزل على ثغر جبيل وفيه فخر الملك بن عمار ، والقوت فيه نزر قليل ، فلم يزل مضايقا له ولأهله إلى يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة ، فراسلهم وبذل لهم الأمان ، فأجابوه إلى ذلك ، فتسلمه بالأمان ، وخرج منه فخر الملك بن عمار سالما ، وقد وعده بإحسان النظر والإقطاع.
ووصل عقيب ذلك الاسطول المصري ، ولم يكن خرج للمصريين فيما تقدم مثله كثرة رجال ومراكب وعدد وغلال لحماية طرابلس ، وتقويتها
__________________
(١) انظر كتاب طرابلس الشام في التاريخ الاسلامي : ١١٧ ـ ١٣١.